حملة الإسكندر على الخليج

يُرَجّح بعض المؤرخين أن سبب اهتمام الإسكندر المقدوني بالخليج، يعود لما سمعه عن بلاد العرب من ازدهار وموانئ، وكان طموحه بناء إمبراطوريته التي أخذت تتمدد في الأرض، لكن أصعب ما واجهه، حسب مستشاريه، هي صعوبة إقدامه على اقتحام الجزيرة العربية من البر، لقلة الماء، والتعرض للعطش والموت وهو يقطع الفيافي... فارتأى دخولها من الساحل، مكلفاً هيرون السكندري للاستكشاف ومتابعة تلك السواحل، وهيرون أو هيرو، أو كما يسميه العرب هارون، كان مخترعاً في الميكانيكا، وضليعاً بقياس الأحجام والمسافات، فأرسل تقريراً إلى الإسكندر عن تايلوس (جزيرة البحرين)، وإيكاروس (جزيرة فيلكا)، وغيرها، مع قياسه السواحل.

وكما أتى في كتاب المُفَصّل لجواد علي، أن جيش الإسكندر لم يتمكن من تحقيق المشروع، بسبب موت الإسكندر، فتوقفت جميع الحملات المتجهة إلى الخليج، وبعض المؤرخين يؤكدون أن الحملة كانت قريبة من السواحل، لكنهم عادوا فوراً، لمجرد سماع خبر موت الإسكندر، ولا نعلم مدى هذا القرب، إن صح المصدر.

في هذا الإطار، أحب الإشارة، ولو قليلاً، إلى المتعارف عليه في تاريخ الحملات، وهو أخذهم الباحثين والعلماء برفقتهم، ليقوم هؤلاء بدورهم في التوسع العلمي والثقافي والأدبي.. بعد العسكري، بالكتابة عن المكان الجديد، وتوثيقه رسماً وكتابةً وإحصاء... وكلنا نعرف أن التاريخ يشهد على ذلك، كما في حملة نابليون على مصر، برفقة عدد كبير من الباحثين، وكذلك أثناء دخول فرنسا الجزائر، والبرتغال للهند وعُمان والخليج.. لينتجوا موسوعاتهم عن المكان بعد السيطرة.

وعودة للإسكندر المقدوني، ومرسله هيرون السكندري، الذي بلغ بحثه في الخليج أمكنة قصية في البحر، بكتابته أسماء المدن في الخليج، إلا أن المؤرخ أرنولد ويلسون حاكم بغداد في زمن الانتداب البريطاني، يظن أن هيرون السكندري لم يصل إلى البحرين وفيلكا، بل لم يتجاوز مدخل الخليج، أي حدود ماكيتا، وهي اليوم رأس الخيمة، أو رأس مسندم، كما يسميه الأوروبيون، أو رؤوس الجبال، أو (مونس أسابو)، كما كتب الجغرافي الروماني بلينوس، وأسابو يعني العصاب، ومع ذلك ذكره المؤرخ الهمداني على أنه البحرين وأطرافه.

ولأن الحديث عن الأسماء يطول، وصلوا أو لم يصلوا، تبقى حملة الإسكندر على الخليج غير مكتملة، بالإضافة إلى حملات أخرى لملوك سبقوه، وجميعهم أرادوا غزو جزيرة العرب، بمنطق أنها غنية بالذهب والفضة وأشياء ثمينة، فكما أتى في رسائل الملك الآشوري إلى ملك ديلمون (البحرين)، وكما في معثورات البعثة الدانماركية في الخليج، من نقود ونقوش وتماثيل ورسائل... كلها دليل على أن الطموح الغربي لم يتوقف للسيطرة على الخليج، كمعبر بحري تجاري راسخ وثري لا ينتهي.