في ذكرى الشاعر حمد بو شهاب

في الذكرى الثالثة والعشرين على وفاة الشاعر الكبير حمد خليفة بو شهاب، أسترجع ذكراه كشاعر تخطى حدود اللغة، فمن الضروري ذكر زياراته إلى صحيفة البيان بشكل شبه يومي، يتعرف إلى الموظفين  ويزور رؤساء الأقسام، ومع الشعراء، حيث صفحة الشعر التي أسسها، مروراً بالمكاتب وأصدقائه، يلقي التحية على المحررين في صالة التحرير، متحدثاً عن الشعر وأسراره.

وفي يده كل يوم قصاصة ورقية صغيرة، كانت أغلبها بالقلم الرصاص، فيها أبياته الجديدة، أو مطلع قصيدة، وتبدو أنها الفكرة، أو كما يقال الشرارة الأولى، ولأنه شاعر كبير وحقيقي، كان يقوم بمشاورة الجميع، من الشعراء والمحررين، وحتى الموظفين، ويصر على سماع رأيهم في ما كتب، وحتى مع أولئك الذين لا يفقهون الشعر، يسألهم عن مشاعرهم تجاه موسيقى الكلام.

وكأنه يقف على حافة النور طوال الوقت، منصتاً لهم، وفي عينيه دهشة الشعر، وبالمقابل، يتقن ضيافة ما يقال، ويحسن استقبال النقد، يراقبهم، ويستقبل كلماتهم، ويرى عوالمهم الداخلية المشبعة بالجرح والحلم.. كان مؤمناً بأن الشعر قادر على تغيير العالم، إلى ما هو أنقى وأصفى.

في اليوم التاسع عشر من أغسطس 2002، توفي حمد خليفة بو شهاب، وكان الخبر يملأ الصفحة الأولى في الجريدة، لشاعر كان يقيم في فضاء الإحساس، ويتغنى بالغزل والوطن، ويكتب وكأنه يسكب عاطفة، ويحولها إلى نغم، لتنبض التفاصيل الصغيرة في مشهد من الجمال والحنين والانتماء والرومانسية..

ولأنه شاعر حقيقي، عاش الدنيا مرتين، مرة في واقعه الخارجي، ومرة في صداه الداخلي، والصدى صوت يكشف الأعماق، ولعله صوت صريح.. ليبقى بين هذين العالمين، الداخل والخارج، وسيرة حياة شاعر مختلف، في هذه الثنائية المبتكرة من العالمين، حيث ولدت قصائده المميزة، التي حوّلَها إلى صوَرٍ ومعانٍ، لتتجاوز ذاته، لتسكن وجدان الآخرين.. ويصبح صوت من لا صوت له.

أنا لا أستحضر الحزن والأسى في ذكراه، بل هو الاعتزاز بما ترك من آثار شعرية للأجيال، فبقي صوته بيننا، ناهيك عن دوره الريادي في تدوينه دواوين شعراء من سبقوه، ليحافظ على تراث طويل، بعد كفاح من الحفظ، إلى أحلام النهضة الجديدة في البلاد.. فأخذ يكتب القصائد، كحياة تتجدد، حتى رحيله.