الطيرة - بكسر الطاء وفتح الياء: هي التشاؤم، وأصلها: أن عرب الجاهلية اعتمدوا الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر ما، ورأى الطير طائراً على جهة اليمين، تيمَّن به، وذهب لأمره، وإذا طار على جهة اليسار، تشاءم ورجع، وكانوا يسمون طائر اليمين السانح، وطائر اليسار البارح، وربما هيج أحدهم الطير ليرى جهة طيرانه فيعتمدها، فجاء الشرع بنفي ذلك.
ويُذكر هذا المقام بابن الرومي ؛ فقد كان معروفاً بالتطير، مشهوراً به، وكان أصحابه يمازحونه ويرسلون إليه من يتطير باسمه، فلا يخرج من بيته طوال يومه.
وحسبك أن تعلم أنه كان لا يلبس ثيابه إلا بعد أن يتعوَّذ، فإذا وصل إلى الباب نظر من خلال ثقب المفتاح، فإذا رأى ذلك الأحدب الذي يتطير منه، جبن فلم يخرج، وخلع ثيابه ثانية، وقد عرف «ابن الرومي» كيف ينتقم منه، ويثأر لنفسه منه، ببيتيه اللذين وسمه بهما آخر الأبد، وهما قوله:
قصرت أخادعه وغاب قذاله
فكأنه متربصٌ أن يصفعا
وكأنما قد ذاق أول صفعة
وأحس ثانية لها فتجمعا
ولابن الرومي — في تطيره — أخبار طريفة، منها أن أبا الحسن الأخفش — غلام المبرد — كان كثيراً ما يقرع بابه، فإذا رد عليه ابن الرومي مستفسراً أجابه: «مرة بن حنظلة» فيتطير من ذلك ولا يجسر على الخروج بقية يومه، وَلَا يخرج يَوْمه أجمع فَكتب إِلَيْهِ ينهاه ويتوعده بالهجاء فَقَالَ:
قولوا لِنحوِّينَا أبي حَسنٍ
إنّ حُسامِي مَتى ضَربتُ مَضى
وَإِنّ نَبلِي إِذا هَممتُ بِهِ
أرْمي غَدا نَصلها بجمر غَضا
لَا تحسبنَّ الهجاء يَخمده الرفعُ
ولاَ خَفضُ خافض خفَضا
على أن بعضهم طرح التطير جانباً ومضى لسبيله فظفر وغنم.
خرج النابغة وابن منظور الفزاري للغزو، فسقطت جرادة على النابغة فتطير وعاد، وأما الفزاري فمضى لسبيله فظفر وغنم، فقال:
تعلم أنه لا طير إلا... على متطير، وهي الثبور
بلى! شيء يوافق بعض شيء... أحاييناً، وباطله كثير