يتغير المناخ كل يوم، لتزداد مسؤوليتنا الاجتماعية البيئية أمام هذا التغيّر، ولأنني قارئة وكاتبة، فسأتحدث عن النشر كيف أصبح مسؤولاً سلباً عن البيئة، فبعد قراءات عديدة للإحصاءات البيئية التي تصل إليّ عن صناعة الكتاب، لاحَ لي أن الكتاب لم يعد يحترم الكوكب، خاصة أن صناعة الكتب تُعد من الصناعات الثقيلة عالمياً، أي مثلها مثل صناعة الأسلحة والطائرات والدبابات..
فالولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تطبع كل عام ملياري كتاب، وهذا يعني قطع 30 مليون شجرة، وهذه الكمية من الأشجار تسد مساحة واشنطن بأكملها.. فماذا عن عالمنا العربي؟ وماذا عن الجزيرة العربية، ومدن الخليج؟
نعترف بأنها قليلة في أشجارها، وحالنا حال المدن القارئة، ننشد المعرفة التي بدورها مسؤولة عن إبداعات لاتجاهات أخرى، مثل السينما والإذاعات والاختراعات... فالقراءة هي المُخيّلة بعطاءاتها الفسيحة، وملكٌ للبشرية مثلها مثل البيئة، إذن بالمقابل علينا أن نكون من المتقدمين في التضامن معهما، وإحضار المخيلة ليس من خلال البدائل الرقمية فقط، فهي أيضاً تضر بالبيئة مثل الكتب الورقية، وإنما أيضاً ثمة ابتكارات أخرى، وهي قديمة وأمام أعيننا، مثل استعارة الكتب بدلاً من شرائها، وإن غضب أصحاب دور النشر، فنحن نتحدث عن المناخ والبيئة التي تعنينا جميعاً كوننا بشراً نقرأ أو لا نقرأ.
كما علينا تعزيز أسواق الكتب المستعملة، ومعارضها، وإن كانت خجولة في ظهورها أخيراً، فلا بأس أن ندفع بها، لتبقى مساعدة للبيئة نهجاً مسؤولاً، وبديلاً للتقليل من استهلاك الورق، لعلمي أن بعضهم يعيش جماليات ملمس الورق ورائحته ومشاعره التاريخية... ولكننا في وضع صعب أمام قلة المياه وتهديد الأشجار من أجل كتب نقرأها.. فما بها الكتب المستعملة؟ ألا تمنح ذات الدور والنتيجة، وكذلك تبادل الكتب بين الأفراد؟ ومن خلال المجموعات، أو حتى في صناديق الكتب.. نتيجتها تخفيف الاستهلاك، فنحن اليوم نعيش على كوكب قَلِقٌ في موارده.
إذن حَريٌّ بنا التطرق للمكتبات العامة وما أجملها في مدننا، هي وسيلة للحصول على الهدف المعرفي ذاته، ويكفينا جمال الرحلة إلى المكتبة وشعور الذهاب إلى مكان جليل، نطمئن فيه، بدلاً من الذهاب إلى مكتبات المول، وشراء كومة من كتب ترهق المحفظة، والمؤسف أغلب كتب البيوت تذهب إلى النفايات، وهذه أزمة أخرى.
وللتقليل من التأثير البيئي السلبي المرتبط بإنتاج الكتب الجديدة وشحنها، لا يسعني إلا أن أنصح بالإعارة، وزيارة المكتبات، وشراء الكتب المستعملة.. إسهاماً ولو قليلاً في قلب التحول البيئي.