الحياة السرية للأشجار

من حديث الجدات عن الأشجار، أن عاطفة شجرة الشريش أو النيم ليست كعاطفة الغافة، فيأخذهن الحديث عن الغافة بمهابة، فهي ليست حزينة ولا خائفة، بينما الشريش تكتم مشاعرها، وبذورها بلا طعم، ويمضين في وصف الأشجار والنباتات الأخرى بصفات إنسانية، وكنا صغاراً نتساءل هل للأشجار مشاعر؟ لتثبت الدراسات الحديثة أن الأشجار تدرك عناصر بيئتها، وفي السياق نفسه أثبتوا أن النباتات تعرف أنها منحنية، ولديها القدرة على استقامة نفسها.

المزارعون المتعلمون في الوقت الحاضر يصفون الأشجار بالإنسان، وأنها ذات حس، والحس كما يقول المفكرون يرتقي إلى الفكر، والإحساس هو الخطوة الأولى في عملية الإدراك.. ولأن للأشجار مشاعر كما كانت جداتنا يميزن أشجارهن بأنواعها، وشخصياتها، فبعض الأشجار عاطفتها أقوى من أقرانها، وإن أردنا أن نعرف كيف، فليس أمامنا سوى مراقبة سرب العصافير يومياً وهي تختار شجرة بعينها تغرد عليها بدلاً من الأشجار اللصيقة بها.

ومن الحس إلى الإدراك، فلا بد من ذاكرة للشجرة، وهذا ما قرأت للمؤلف الألماني بيتر فوليين، الذي اشتهر بكتابه «الحياة السرية للأشجار» يؤكد ذاكرة الشجرة التي تشعر بالألم حين تُقطع بآلة حادة ويتم تعطيل حياتها بإبعادها عن أشجار العائلة، فذاكرتها تبدو واعية من خلال الحياة الاجتماعية المعقدة تماماً مثل البشر، عبر جذورها وشبكة خشبية كاملة للتواصل مع بعضها، والمؤلف يدعو في كتابه إلى اتباع أساليب إدارة للأشجار أكثر استدامة والتقليل من المخاطر بوصفه مؤلفاً وعالماً في الغابات.

وعودة للأشجار وسعادة الأشجار، وإحساسها المتنامي في أغصانها، هناك تجربة تصوير ليلة كاملة لشجرة في تركيا، يتم الآن عرض الفيديو سينمائياً بمتحف الفنون بإسطنبول، تم تسريعه سرعة تامة، تبدو كأنها ترقص وتشعر بالفرح طوال الليل، وليست نائمة كما اعتقدنا، فأعادت صديقتي في دبي ذات التجربة هنا بتصويرها غافة ليلة كاملة، لتجدها متحركة وكأنها ترقص وتتمايل طوال الليل، وصديقتي هي ذاتها في الزمن الجامعي وسكن الطالبات، كانت تُسمع الموسيقى نبتتها الصغيرة بغرفتها طوال الوقت، وجدت نموها أسرع من النبتة الأخرى في بيتها المستندة إلى الماء فقط، لتثبت أن النباتات والأشجار مفتوحة للمحفزات الخارجية من صوت ولمس وحب.

ولأن الغافة وُصفت بالمهابة والحنان من جداتنا فلن نستطيع أن ننكر أمومتها وصبرها بامتصاصها الغبار طوال الوقت من أجلنا، ومن يتأملها، شهري سبتمبر وأكتوبر في بلادنا، يجدها تنثر بذورها الصغيرة على الأرض برائحتها الزكية وهي تتفتح وتسقط من قرونها الطويلة، وهنا نتساءل هل للأشجار لغة؟ وهذا ليس بعيداً فهي تُترجم مشاعرنا تعبيراً للتكيف والبقاء على قيد الحب.