تميزت سيرة الناقد الكبير الأديب الدكتور إحسان عباس بخصائص ومزايا مهمة، فهي صفحات تاريخية مضيئة، وسيرة مشرقة، يستضاء بها في الكفاح في طلب العلم، وخدمة التراث بجميع أنواعه.
حمل عباس أمانة العلم، فكان امتداداً لجيل العمالقة، أمثال العلامة محمود محمد شاكر، وأحمد أمين، والعقاد، وطه حسين، ومندور، وغيرهم من الأعلام الذين ملأوا الساحة الفكرية سنين طويلة، وتركوا وراءهم إرثاً أصيلاً يحتاج إلى دراسة وتحليل.
فلا تكاد تمسك بـ«غربة الراعي» حتى يجذبك، ويأسرك، ويجعلك رهين قراءته والعيش في مطالعته، تروح وتغدو مع الكاتب، تكبر معه، وتدرس معه، وتسافر معه، ويجعلك تعيش معه في قريته الجميلة «عين غزال»، التي تملكت قلبه وعقله.
وإحسان عباس عندما يمتشق اليراع، فهو مصور ذو باع، له أسلوبه الخاص، يختلف عما عهدناه من طه حسين في «الأيام»، وتوفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، وأحمد أمين في «حياتي»، والعقاد في «أنا»، وغيرهم ممن سجلوا سيرهم الذاتية، وهو بهذا من أهم آثاره التي أربت على المئة.
ومع ما يقال عن غربة الراعي، وما فيها من غنى في التجربة الحياتية بشكل عام، والعلمية بشكل خاص، وما حملت في طياتها من إضاءات لحقبة تاريخية من حياة الأمة العربية والإسلامية، ومع تردد الدكتور في كتابتها، إلا أن بعض النقاد تجرأ واستنكر كتابتها، لخلوها بزعمهم من النشاطات البارزة، ومن الأحداث السياسية المؤثرة، فصاحبها لم يتولَّ منصباً إدارياً كبيراً، وبطلها لم يشغل مكانة بارزة في حزب من الأحزاب، أو جماعة من الجماعات، أو تكتل من التكتلات، مع معاصرته وشهوده نشأتها كلها أو جلها.
فذلك لو تم من شأنه أن يجعله محلاً لتسليط الضوء، أو موضعاً لقالة المدح أو السوء!.
لكنه لم يتم فهو إذن ليس صاحب تجربة إنسانية مفيدة. ولو قلنا غير ذلك، لكان كل إنسان فناناً، وصاحب تجربة.. هكذا زعموا!.