أغزل بيت قالته العرب..!

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختلف النقادُ ـ قديماً وحديثاً ـ ممن لهم ذوق في الشعر، ومُكنة في نقده، ودربة في سرده وفقده؛ في تخيرهم لأحسن بيت قالته العرب؛ صدقاً، وغزلاً، وهجاءً، وافتخاراً.. الخ.

ويرجع ذلك في الأصل إلى أمور ذوقية، ومسائل انطباعية؛ أكثر منها نقداً وبحثاً وتمحيصاً، فما أراه أنا أغزل بيت، قد لا يراه الآخر كذلك، وما يقع من نفسي موقع العاطفة والانفعال والتأثير، قد لا يجد في نفسك شيئاً من التقدير، ويمر عليك مرور الكرام، من هنا ترى اختلافهم فيما ذكرنا من تحسينهم وتقبيحهم للشعر عموماً.

ومشهور أن أغزل بيت قالته العرب بيت جرير:

إنّ العيونَ التي في طرفها حورٌ

قتلننا ثم لم يُحيينَ قتلانا

غير أن أبا عمرو بن العلاء يرى قول عمر بن أبي ربيعة ‌أغزل ‌بيت قالته العرب:

فتضاحكن وقد قلن لها:

حسن في كل عين من تود

أما الأصمعي ـ تلميذه ـ فيرى امرؤ القيس هو صاحب أغزل بيت:

وَما ‌ذَرَفَتْ ‌عَيناكِ إلا لتَضْرِبِي

بسَهمَيك في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ

وقال آخر: بل قوله «امرؤ القيس»:

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمر القلب يفعل

وقال ابن يحيى: ‌أغزل ‌بيت:

غراء فرعاء مصقول عوارضها

تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل

وقال أبو علي: أرق بيت قالته العرب قول ابن أبي ربيعة:

يرميننا لا يتقين بجنة

إلا الصبي وعلمن أين مقتلي

وقيل لكُثَيِّر أنت أنسب الناس! قال: كلا! والله أنسب الناس الذي يقول:

وأنت الذي إن شئت أشقين عيشتي

وإن شئت بعد الله أنعمت بالي

وقال علي بن هارون عن أبيه: ‌أغزل بيت، قول ابن أبي ربيعة:

ليس حباً فوق ما أحببتكم

غير أن أقتل نفسي أو أجن

وكان الخوارزمي يقول: ‌أغزل ‌بيت:

قد كنت أشفق من دمعي على بصري

فاليوم كل عزيز بعدكم هان

وقال المنجم: ‌أغزل ‌بيت:

أنا والله أشتهي سحرَ عينيكِ

وأخشى مصارعَ العشاقِ

وقال ابن طاهر:

إذا مرضْنا أتيناكمْ نعودُكُمُ

وتذنبونَ فنأتيكمْ فنعتذرُ

وقيل: إن بيت جَمِيْل أغزل بيت:

خليليَّ فيما عِشتما هلْ رأيتُما

قَتِيلًا بَكَى مِنْ حُبِّ قَاتِلِهِ قَبْلِي

وقيل بيته الآخر:

يَموتُ الهَوَى مِنِّي إذا مَا لَقيْتُها

ويَحيى إذا فَارَقتُها فَيَعودُ

ولو سألتني أيها القارئ الكريم عن رأيي في أغزل بيت لأخبرتك بأني أخالفهم جميعاً، ويعجبني قول القائل:

‌أهابُكِ ‌إجلالاً وما بكِ قدرةٌ

عليَّ ولكنْ ملءُ عينٍ حبيبُها

‌‌لما فيه من استعظام المحبوب وجلالته وهيبته في عين المحّب!

 

Email