فلسفة السيرة الذاتية وأمير الدعابة (2 ــ 2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلق لقب «أمير الدعابة» والفكاهة في الأدب الأمريكي على الكاتب القصصي الفكه «مارك توين»، واسمه الحقيقي صموئيل كليمنس؛ و«مارك توين» اسم شهرة أو لقب فني، كما هو شائع الآن.

ولد كاتبنا سنة 1835 في ولاية ميزوري في قرية، لا يكاد يحس بوجودها أحد، تسمى فلوريدا، وكان يعيش فيها مائة إنسان، وقد أدت ولادته- كما يقول- إلى زيادة عدد السكان فيها بنسبة واحد في المائة، وهذه مساهمة منه تفوق ما كان يمكن أن يسهم به كثير من أفضل الرجال! هكذا يسعى توين من اللحظة الأولى إلى التحبب إلى قارئيه، والتقرب من مطالعيه، يفعل ذلك على امتداد سيرته، وافتتاح طريقته، يمضي في ذلك ما سنحت له فرصة، أو وجدت له خلة.

ولا تُضِعْ ‌فُرصَةَ السّرورِ فما … تدْري أيَوْماً تعيشُ أمْ دارا

يقول توين: «أرسل لي أحد الأشخاص من ميزوري صورة للبيت الذي ولدت فيه. لطالما أشرت إلى هذا البيت على أنه كان قصراً، أما وقد شاهدت صورته الآن فإني سأكون أكثر حذراً ودقة في الحديث عنه»!

يظهر توين في «سيرته الذاتية» أسلوبه الرائع؛ المسكون بروح الدعابة، والفكاهة، وخفة الظل، لتنجلي عن صورة كاتب محبوب، وأديب مرغوب، وأن كتاباته؛ قصصاً ومذكرات وغيرها تعد أصدق مرآة؛ للمجتمع الأمريكي، وحياة الكاوبوي، التي يعيشها الأمريكان، يسجلها دون زيف أو غش أو خداع. ويصدق على أسلوبه أيضاً أنه ‌أسلوب محاورة ومسامرة وتسلية، لذلك تجد كتبه كلها سهلة المأخذ، قريبة التناول، بعيدة عن التكلف، نائية عن التعسف، بريئة من اللبس والغموض.

ولا تحدثك نفسك أيها القارئ الكريم أن هذا الكاتب الفكه الظريف «خفيف الدم» فكه عن سذاجة وعدم كياسة وذكاء! وإنما يفكه ليؤنسك، ويضحك ليطربك. وهذا أسلوب الجاحظ وابن المقفع، فقد كانا مطبوعين على الظرف والفكاهة، بعيدين عن الخفة والسفاهة، ميالين إلى السرور والانبساط، دأبهما المزج بين الجد والهزل، واختيار القول الفصل.

Email