أدب «الإنستا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الصيف قادم، وكُتب أدب السفر كانت الأكثر إمتاعاً للناس في إجازاتهم، أما اليوم، فالأبواب مفتوحة على العالم، مع «الإنستغرام»، الذي أصبح ثروة بصرية للأفراد والعائلات، وموقعاً بديلاً لألبوم الصور التقليدي، والمجلات الاجتماعية، والأفلام القصيرة، واليوميات، والأخبار، والثقافة، والأزياء، والتأملات...

مقابل ما يوفره «الإنستا» من بهجة الألوان المحفزة، وفرص المشاركة، إلاّ أنَّ مساحة الكتابة أسفل الصورة غائبة، إلا ما ندر، فلعل المسافر صاحب العدسة الرائعة، يشعر برهبة الكتابة، على الرغم من أنها نصوص متفرقة، يقوم بتحريرها كما يريد، فلا سلطة على القلم سواك أنت يا صاحب القلم، وليس عليك أن تكون كاتباً ملمّاً بكل شيء، إنما هي مشاعر تصفها، ورأيك وانطباعك لأماكن منسية تزورها، من مدن عتيقة، وبيئات مفتوحة أمام عدسة «الإنستا»، التي توقظ الانتباه الكامل، فقط تحتاج كتابة نبذة، لتؤرخ جهد سفرك ومتعتك.

لأهل الإمارات الكرام أسفارٌ منذ بعيد، من البحر والبر والجو... واليوم هم يعشقون «الإنستغرام» أكثر من غيره، وهو البديل التقني لأدب السفر، لتأليف المختصر، كمؤلف مؤقت يسافر بتجاربه وتأملاته في سلسلة متصلة، فالتأليف ليس مقتصراً على العلماء والأدباء الكبار فقط، فأولئك لديهم مشاريعهم الفكرية والرؤية، أما المشاعر والانطباع فللجميع.

في الماضي مثلاً، أشهر الفلاسفة أصبحوا فلاسفة، بعد أن فكروا بفكرة السفر، معتمدين على فِعله، كما البدو الرُحّل المطبقين لفكرة الحرية من خلال الترحال، فزار الفلاسفة في شبابهم الأماكن المحكوم عليها بالانتهاء، والتفكير فيها بعمق، منتبهين لموت اللغة، وتجاهل الإنسان والمكان، وأخذوا في سفرهم منحى النُساك والعلماء والشعراء، فكتبوا لغايات روحية وفكرية، وحولوا السفر لفكرة وفلسفة، خاصة منطقة الشرق الأوسط، وكيف لا، والإمبراطوريات القديمة، والمدن المدفونة، واللغات الصامتة الممتلئة بالأساطير، كلها في هذه المنطقة التي شهدت حضارات.

وولدت حضارات، وما زالت تلد الحضارات، ولعل رحّالة «الإنستا» في الغرب، يقدرون أدب السفر أكثر منّا، باكتشاف القديم وربطه بالجديد، وتغيير المفاهيم، سواء سيراً على الأقدام، أو على دراجة... والأهم كتابة ما يعتريهم في المساحة المتوفرة أسفل الصورة.

نحن اليوم لا نسافر من أجل الهروب من الواقع، بل لاستعادته، بعد كل هذا العالم الافتراضي الذي يزور الأحاسيس، لكنه يُفرّغ معنى الكلمات، وبالتالي، قراءة أدب «الإنستا»، هي استعادة لصحة الرحلات المنسية.

Email