نُزهة في صفحات الذات

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت السنوات العشر الأخيرة ازدياداً في سرد السيرة الذاتية، فهي تعكس أولاً المشاعر الحقيقية، لتحمل قبولاً كبيراً لدى القراء، لكنها مع الوقت بدت مهيمنة.

حيث يوضح البعض ما مرت عليهم من أحداث، ويخرجون بآراء مختلفة، مع اقتناع الكاتب صاحب السيرة أن الكتابة عن الذات أكثر صدقاً من اختراع القصص والتأليف السردي الروائي، تماشياً مع الواقع والنصيحة الشهيرة المتداولة والموجزة للغاية «أكتب ما تعرفه» هي من أخطر النصائح وخاصة للمبتدئين، فبسهولة يساء فهمها.

فما الذي تعرفه حقاً لتكتب؟ ثم ماذا ستكتب عن نفسك؟ السيرة الذاتية كما نعلم خادعة، فالأغلب يضع آراءه كمصنف حزبي أو طائفي أو من منتقدي فكرة ما بإصرار، وكأن السيرة إعادة صياغة للأحداث...

بلا شك السيرة رحلة ملهمة للقارئ إذا تنزه في صفحاتها وشعر بنفسه مكان شخص آخر، وبالتحديد السِيَر المقروءة لمتمرس يكتب الواقع بسرد جمالي، وكم يحتاج إلى صبر وحذر، فحتى أغلب المشاهير من المؤلفين والمبدعين لم ينجحوا في كتابتها، لنتيقن أنها ليست بالأمر السهل.

فبالرجوع إلى الوراء، نلقي نظرة على الذين فشلوا في سرد ذاتهم، مثل «فرجينيا وولف» كتبت مقالات تحمل ذكريات وفاة والدتها، وتأثير رحيلها على والدها المتطلب، ولم يهتم قراؤها بذلك. أما «كافكا» كتب سيرته في رسائل لم تصل إلى المرسل إليه أبداً، يشرح فشله في الحياة، أيضاً لم يكترث قراء العالم كما رواياته....

تبقى أجمل السير للروائي «أورهان باموق» (إسطنبول الذكريات والمدينة) وضع فيها دفء ذاته وتاريخ عائلته، في جوف مدينة إسطنبول القارسة شتاءً، ليتفق العالم أنها من أجل السِير، فطريقة نظرته الخاصة كانت تتسع أمام القارئ، كلما تقدم في سرده، فيغذي خياله.

والبقاء للخيال، فالفكرة الجديدة التي يصعب إيجادها، بحاجة معرفة كيفية التعامل معها، سواء السيرة أو الرواية، فكلاهما مهمان، وكلاهما بحاجة إلى بحث، ومن يكتب دون حد أدنى من البحث، تتحول ما كتب لأحداث كاريكاتورية وبرؤية سطحية، فهل ممكن حقاً إعادة بناء حياتك بسحره وغموضه سرداً دون استعارة؟ بل عليك أن تُظهر نفسك خارج نفسك، من أجل القبول. هكذا يعمل خيال الكاتب.

Email