الأصمعي ومناظراته مع الكسائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي أطلق فيه الأصمعي لقب «فحل» على طائفة من الشعراء، أمثال امرئ القيس، وزهير، نراه قد ضن به على طائفة أخرى، رأى أنها لم تستحقه أمثال؛ مثل أعشى باهلة، وعمرو بن كلثوم، وكعب بن زهير.

ومن وجوه النقد الأدبي عند الأصمعي أيضاً مناظراته، التي كان يخوضها مع العلماء، والمناظرة فن أصيل من الفنون العلمية العربية الأصيلة، عرفها العرب قبل الإسلام، ووضعوا لها القوانين والآداب المرعية بعده، وقد حفظت لنا كتب اللغة والأدب مناظرات «أصمعية»، أظهرت علم الأصمعي وحجته، مع أقرانه العلماء ومنها؛ مناظرته الشهيرة مع الإمام اللغوي الكبير الكسائي. حدث حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: كنا عند الرشيد فحضر الأصمعي والكسائي، فسأل الرشيد عن بيت الراعي:

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ودعا فلم أر مثله مخذولا، فقال الكسائي: كان قد أحرم بالحج، فضحك الأصمعي وتهاتف- والهَتْفُ والهُتَافُ- كما في اللسان- الصوت الجافي العالي فقال الرشيد: ما عندك؟ فقال: والله ما أحرم بالحج ولا أراد أيضاً أنه دخل في شهر حرام، كما يقال: أشهر وأعام إذا دخل في شهر وفي عام، فقال الكسائي: ما هو إلا هذا، وإلا فما معنى الإحرام؟ قال الأصمعي: فخبرني عن قول عدي بن زيد:

قتلوا كسرى بليل محرما... فتولى لم يمتع بكفن.

أي إحرام لكسرى؟ فقال الرشيد: فما المعنى؟ فقال: يريد أن عثمان لم يأت شيئاً يوجب تحليل دمه، وكل من يحدث مثل ذلك فهو في ذمة، فقال الرشيد: يا أصمعي ما تطاق في الشعر! ومثل هذه الآراء النقدية والأحكام العلمية، التي مرت معنا بشكل تدل دلالة قاطعة على فحولة الأصمعي في علم النقد وعلوم اللغة والأدب جميعاً.

Email