شخصيات تحت المجهر

عائشة البوسميط.. إماراتية تخطت الصعاب والتحديات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبلتْ أن تركب الصعاب وتواجه التحديات وتبني نفسها خطوة خطوة حتى غدتْ سيدة يـُشار إليها بالبنان في بلادها وخارج وطنها كنموذج للمرأة الإماراتية العصامية الجسورة، العاملة على أكثر من صعيد، والمنخرطة في أكثر من مجال.

فهي كاتبة وشاعرة وإعلامية ومصورة ومذيعة تلفزيونية وأستاذة جامعية في الاتصال والتسويق ومديرة إدارة في «الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية» وسفيرة للنوايا الحسنة لدولة الإمارات في «المنظمة البحرية الدولية».

وقبل كل هذا هي إنسانة معجونة بخدمة وطنها ومجتمعها، وهو ما تجلى في قيادتها لفكرة «الأم الحاضنة» التي طبقتها على نفسها يوم أن احتضنت الطفلة اليتيمة «ريم» ذات السنوات الثلاث، والطفلة اليتيمة الأخرى «حصة» ذات الأربعين يوماً، وذلك من منطلق إيمانها بأن أفضل مكان للطفل اليتيم هو حضن العائلة وليس مراكز الإيواء ودور الأيتام.

تلك هي ابنة الإمارات الدكتورة عائشة البوسميط المنحدرة من قبيلة البوسميط العربية الكبيرة ذات النسب الرفيع والذكر المتكرر في تاريخ الخليج العربي بساحليه.

ولدت عائشة سعد يوسف البوسميط لأب تنقل في حياته بين الإمارات والبحرين قبل أن يستقر في الإمارات ويعمل بها قائداً وقبطاناً بحرياً. أما والدتها فهي ربة بيت متعلمة سخرت حياتها لتربيتها تربية عربية إسلامية قويمة، بل قامت أيضاً بدعمها منذ طفولتها ثم مساندتها حينما كبرت في تطلعاتها وخطواتها وهواياتها المختلفة كالرسم والكتابة والتصوير، على الرغم من أعبائها الأسرية الكثيرة تجاه زوجها وأولادها الثمانية الآخرين.

أخبرتني عائشة عن مراحل تعليمها النظامي فقالت إنها درست المرحلة الابتدائية بمدرسة آمنة بنت وهب بمدينة المحرق، حيث ولدت ونشأت وعاشت سنوات طفولتها في ظل والديها اللذين كانا يقيمان وقتها هناك، ثم درست المرحلة الإعدادية بمدرسة زنوبيا الإعدادية النموذجية في البحرين أيضاً.

أما مرحلة دراستها الثانوية فقد بدأتها بمدرسة المحرق الثانوية وأنهتها في مدرسة الزهراء الثانوية للبنات في الشارقة. بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة عام 1983، التحقت بكلية الإعلام بجامعة الإمارات والتي منحتها درجة البكالوريوس في الإعلام سنة 1988.

وأثناء دراستها بجامعة الإمارات برزت مواهبها القيادية والإعلامية بدليل توليها رئاسة الجمعية الإعلامية للجامعة، وقيامها بأعباء عريف الحفلات الطلابية، وهذا ــ إلى جانب ولعها بالشعر والأدب ــ قادها إلى الظهور على شاشة التلفزيون آنذاك لتقديم برامج أسرية وثقافية، وهذا بدوره فتح أمامها أبواب الصحافة المحلية، لتحرير صفحة خاصة بأخبار الحرم الجامعي.

تقول البوسميط في هذا السياق إنها قسمت وقتها حينذاك بين دراستها وعملها بالتلفزيون والصحافة الذي كانت تتقاضى مقابله مكافأة قدرها 2000 درهم، وهو مبلغ كبير بالنسبة لطالبة مثلها. واستمر هذا إلى أن تخرجت من الجامعة لتبدأ على إثره مشوارها الصحافي الحقيقي من خلال صحف «البيان» و«الخليج» و«الاتحاد».

الأمر الآخر الذي أفصحت عنه البوسميط في مقابلاتها الصحافية هو أنها عشقت التصوير الفوتوغرافي الذي مارسته حينما كانت مديرة لبرامج الأسرة والطفل بتلفزيون الشارقة، فساهمت بتصوير مناطق الإمارات البعيدة ومجتمعات أطفالها والتقاط صور عفوية للحظات جميلة بتوجيه من الإعلامي العربي المعروف الأستاذ أحمد سالم الذي كان وقتذاك ضمن طواقم تلفزيون الشارقة.

لاحقاً قررت مواصلة تعليمها العالي، مدفوعة بطموحاتها في الارتقاء بذاتها ومدعومة بما غرسته قراءاتها منذ سنوات الطفولة من عشق للعلم والمعرفة والإطلاع، فسافرت إلى مصر، حيث حصلت أولاً على درجة الماجستير في الإعلام الجماهيري من جامعة القاهرة بمرتبة الامتياز في سنة 1999، وأتبعتها بدرجة الدكتوراه في الاتصال الجماهيري من الجامعة نفسها بمرتبة الامتياز أيضاً في عام 2004.

لم تكتف عائشة البوسميط بكل هذه الإنجازات الأكاديمية، فبعد عودتها إلى الإمارات عملت على الحصول على درجة ماجستير أخرى، لكن في تخصص الإدارة الرياضية، من الجامعة الأمريكية بدبي في سنة 2016. والجدير بالذكر أنها حصلت قبل ذلك، وتحديداً في عام 2012م على دبلوم المدير التنفيذي للمعرفة من «جامعة غراس للتكنولوجيا Graz University of Technology» بمدينة فيينا النمساوية.

وأخبرتني عائشة عن صور من اهتماماتها المبكرة وهي على مقاعد التعليم النظامي، ومنها أنها عشقت الكتابة والقراءة في طفولتها من خلال مجلة «ماجد» للأطفال التي راحت ترسل لها بعض كتاباتها الأولى للنشر، وبعد نموها واكتمال وعيها بدأت تراسل وتكتب لمجلة «الأزمنة الحديثة» الإماراتية السياسية.

أما عن حياتها المهنية فقد عملت خبيرة في الاتصال الحكومي بوزارة الطاقة والبيئة الإماراتية، ومديرة لإدارة الاتصال الحكومي بالهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية، ناهيك عن عملها متحدثة رسمية وإعلامية، وأستاذة جامعية ورئيسة الاستشاريين بجامعة الفلاح بدبي، وعضواً في فريق الاستشاريين بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، ورئيسة لفريق تنظيم مؤتمر دبي الرياضي ما بين عامي 2010 و2014م.

تقول البوسميط إنها، خلال السنوات الخمس التي مارست فيها التدريس بجامعة عجمان، اكتشفت أن أساليب التدريس التقليدية التي تركز على الجانب النظري تقتل الإبداع وتحبس الطالب في إطار ضيق وتنفره من المادة. لذا قامت بممارسة التدريس وفق أساليب عملية مختلفة وبمشاركة الطلبة أنفسهم.

وما بين هذا وذاك، نشطت ككاتبة صحافية في مجال الاتصال الحكومي والتسامح والإبداع المعرفي وإدارة الأزمات، وكباحثة في إعداد الكثير من البحوث والدراسات في مجال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وكمشاركة في العديد من الأعمال التطوعية الوطنية ذات العلاقة بالمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي خضم كل هذه المسؤوليات، تمكنت من نشر العديد من المؤلفات في مجال تخصصها وغير تخصصها. فقد نشرت في عام 2006 أول دواوينها الشعرية تحت عنوان «سيدة الرفض الأخير»، وهو الديوان الذي تمت ترجمته إلى لغات عدة، بل تمّ اختياره أيضاً من قبل دائرة الثقافة واتحاد الكتاب والأدباء ليجوب المعارض العالمية للكتاب مع أربعين كتاباً إماراتياً آخر.

وفي العام التالي أصدرت ديوانها الشعري الثاني تحت عنوان «عودة شهرزاد»، وهو ما شجع مسؤولي الثقافة بدولة الإمارات على اختيار البوسميط للمشاركة في محفل عالمي للشعراء بألمانيا.

ولا يكتمل الحديث عن هذه السيدة المبدعة دون التطرق إلى إصداراتها الأخرى ذات الصلة بمجال تخصصها الأكاديمي. ففي عام 2009 أصدرت كتاباً عن «التلفزيون الكابلي في الوطن العربي»، وفي عام 2016 أصدرت كتاباً ثانياً حول «الاتصال الحكومي»، واتبعته في العام التالي بكتاب آخر حول الموضوع نفسه حمل عنوان «أفضل الممارسات».

لم تتوقف البوسميط بعد ذلك عن رفد المكتبتين الخليجية والعربية بمؤلفات أخرى، بدليل اشتغالها على كتاب جديد، انتهت من تأليفه في عام 2020 بالتعاون مع وزارة التسامح والتعايش في الحكومة الاتحادية ويحمل عنوان «التسامح في المجتمع الإماراتي». إلى ما سبق قامت عائشة بكتابة سيناريو الفيلم التسجيلي الإماراتي لمعرض إكسبو لشبونة عام 1998، والفيلم التسجيلي الإماراتي لمعرض إكسبو هانوفر عام 2000.

من إصداراتها الأخرى كتاب يحمل عنوان «أمومة اختيارية» أصدرته عام 2018 حول تجربتها الشخصية في الاحتضان والتي قالت عنها: «أشعر بأن لي رسالة وهي (الاحتضان) لأنني استطعت أن أكــّون الأسرة التي أحلم بها، فاخترت بنتيّ ريم وحصة.

والحمد لله، من بعدي كثير من السيدات احتضن أطفالاً، سواء المحرومات من الأبناء أم حتى الأسر التي لديها أبناء». وحول هذا الكتاب، قرأت في إحدى الصحف الإماراتية إنه تجربة امرأة لا تتحسس بطنها لتنجب الأمومة، بل تتلمّس كيانها لتلدها الأمومة ففازت بلقب (أُم)، لكن من مخاض أطل عليها من حنين قلب، خصوصاً أنها تؤمن أن الأم ليست بالضرورة التي تلد، وأن الأمومة فن وموهبة قبل أن تكون والدة. ومن كانت مثل عائشة البوسميط في الدأب والتألق والإنجاز والعمل المتقن من أجل رفعة شأن وطنها ومواطنيها، كان لابد وأن تكرم بالجوائز.

فقد حصلت على امتداد السنوات الماضية من حياتها المهنية على جوائز وتكريمات كثيرة، في مقدمها: تكريم خاص من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في 2019 لكونها من ضمن 30 شخصاً ساهموا في إثراء مشاركات دولة الإمارات في معارض إكسبو العالمية.

كما حازت: جائزة ستيفي الذهبية للإبداع في الاتصال الدولي (2020)، جائزة أفضل اتصال حكومي خارجي (2018)، جائزة الأم المثالية (2016) من دائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، جائزة الأم المثالية الحاضنة (2015) من مؤسسة زايد للرعاية الإنسانية، جائزة أفضل جهة حكومية في الاتصال الحكومي (2014)، جائزة الإبداع في الهوية الوطنية على مواقع التواصل الاجتماعي (2012) من مجموعة دبي للجودة، جائزة مشروع دبي للمعرفة كمشروع تخرج في برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة (2011)، جائزة العام لأفضل هوية مؤسسية وأكثر الأسماء بريقاً (2011) من قبل هيئة الطرق والمواصلات في دولة الإمارات، جائزة الإمارات للسيدات في الإبداع (2010) من مجموعة دبي للجودة، جائزة أفضل جهة حكومية إماراتية على مواقع التواصل الاجتماعي ــ فئة الحملات التسويقية (2010)، جائزة أفضل أداء بصفة عامة في الابتكار (2010)، جائزة أفضل إدارة في خدمة العملاء (2009) من هيئة الطرق والمواصلات، جائزة أفضل موظفة حكومية في برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز (2007)، جائزة أفضل مصمم في الشرق الأوسط (2006)، جائزة أفضل مصور في معرض بينالي (1990).

وعائشة التي تـُعرّف نفسها بأنها: «إنسانة بسيطة، محبة للحياة والعلم والمعرفة والإطلاع.. عصامية تعبتُ على نفسي، ولله الحمد هناك الكثير من العناصر بحياتي ساعدتني ودعمتني مثل والدي وإخواني»، تعتبر نفسها من أسعد نساء العالم «لكوني محظوظة بقيادة تدعم المرأة، وبأهل أتاحوا لي الفرصة في التعلم والوصول إلى ما وصلت عليه الآن، كما أني فخورة لوجود دور فعال لي في هذا المجتمع، ولأننا نعيش في بيئة تشجع المرأة على اقتحام كل الميادين»، طبقاً لحوارها مع مجلة سيدتي (27/‏‏3/‏‏2020). وهو الحوار الذي أفصحت فيه أيضاً عن أحد عوامل نجاحها وإبداعها وهو التجربة، بقولها: «لم يكن للإبداع حدود في حياتي، لأني أحب أن أجرب كل شيء ولأن التجربة تعطيك المعرفة».

 

Email