هل ستبقى متشبثاً بصندوقك؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منحشرين في صناديق ضيقة بالية متراصة، هكذا تبدو الصورة للوهلة الأولى، أنهم لا شيء يذكر، لكن تقوقعهم الغريب يخفي كثيراً من الحقيقة، ويروي الكثير أيضاً، وجدت هذه الصورة عند تصفحي لأحد المواقع المهتمة بالثقافة والفكر، وكُتب تحت الصورة، هل ستبقى متشبثاً بصندوقك؟!

خطرت في بالي أفكار كثيرة، فالصناديق التي ينحشِر بها هؤلاء، متراصة مع بعضها بعضاً، ومع ذلك يشعرون بالوحدة ويتقوقعون مغطين رؤوسهم، فلماذا يبقى البعض حبيس ألف سؤال مغروس في صدره؟ تساءلت ما الذي يُحيكُنا بدقة، لينسج أحلامنا وحياتنا، لنخاف لدرجة التقوقع، فلا نرى ولا نسمع ولا نتكلم، ألم ندرك -على سبيل المصادفة- أن حياتنا شيء ثمين جداً، يستحق العناية أكثر؟

يبدو أن البعض يقع في الأشياء وقوعاً عميقاً، ولا يعرف الإمساك بالعصا من الوسط، وهذا سبب مأساتهم، فالمتعة الحقيقية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، هي الاعتدال وعدم الإفراط، أن تتقن الغموض الذي يُحرِّض الآخرين للبحث فيك، لاستكشافك، بينما لا تفصح عن كل شيء، لأنه أمر يعنيك فقط.

أدركت حقاً أن الحياة مدرسة عظيمة، فلقد جعلتني أصادف الكثيرين ممن يقفون على حافة التحرر، ليتنصلوا من هوس الغموض الخانق الذي يلفهم، هنيهات فقط تفصلهم عن الشمس، ثم يتخلون عن الحلم، نادرون هم من قرروا العيش بغموضهم الخاص، وسط مواكب النور، يواجهون فضول الناس بابتسامة، أو بسياسة خاصة، ليتخلصوا من إلحاحهم المضني، من يتركون حياتهم على أرفف عالية لا تطؤها أعين الفضوليين.

عزيزي القارئ..

في الوقت الذي تقرر فيه التخلص من صندوقك الفارغ، ستضع قدمك على قارعة النور، لتندفع الظلمة إلى أعماقها السحيقة، كي لا تنقب في الأسئلة المريبة داخلك، كي تعيش في غموضك المشروع، ولا ترهق نفسك بظنون البشر، فالمُعمى بسوء النية.. لا يستحق جهد التفسير..

 

 

Email