صناعة التفاهة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعتقد أن نصف مخزون عيني من الدموع قد نفد بسبب مسلسل «حكايات عالمية» ومسلسلات «سبيس تون»، قصص حزينة ثم نهاية أسطورية يموت بها الأشرار، وينتصر الأبطال الأبرار، وتحلق بها العنادل، وتتفتح الأزهار، وتشرق الشمس السعيدة، ويرحل الغسق مهرولاً خلف الأفق!

ليت الأمور بتلك البساطة!

في فترة من حياتي كنت أقدم حصص قراءة تطوعية للأطفال في إحدى المدارس الابتدائية، كنت أحكي حكاية، ثم أطلب من كل طفل أن يرسم نهاية القصة انطلاقاً من وجهة نظره، لم أتفاجأ من قدرتهم على التخيل، حيث إن بعضهم كتب نهاية أجمل من النهاية التي كانت للقصة، بل تفاجأت بطريقة تفكيرهم، كنت أستطيع أن أقرأ فكر كل طفل انطلاقاً من حياته، نطاقه الاجتماعي، وما يدرك أنه صواب أو خطأ.

قال لي أحدهم إنه رسم صفحة إضافية في بعض القصص المصورة التي يملكها ليؤلف نهاية كان يراها «حقيقية ومفيدة».

كان ذلك قبل سبع سنوات.. ولكن ما الذي طرأ اليوم وقلب كل الموازين؟

إن النهايات الحالمة لحكايات الطفولة، وبعض أفلام ديزني، ومسلسلات الإنيمي، مسكينة «لا تهش ولا تنش» أمام «المؤثرين الصغار» -وأضعها بين قوسين- الذين أصبحوا اليوم يطلّون على اليوتيوب، مع تصفيق أهلهم ومباركتهم، والمقالب التي يقومون بها والتباهي بما يملكون من ألعاب لا تعد ولا تحصى، وتقديمهم محتوىً فارغاً لا يضيف شيئاً لمتابعه ولا لمقدمه.. محتوى هزيل أصبح ملاذاً غير مفيد لأطفالنا، وطبعاً لأكون منصفة وموضوعية «ليس الكل» لكن الأغلب.

فهل ندمر ذكاءهم الفطري بهذه الطريقة؟

أسفي على هذه الطاقة المتقدة التي تهدر سُدى لدعم منتج، أو ترويج ألعاب، أو صنع شهرة مفلسة تقتل براءتهم، فليتنا -«وليت ما تعمر بيت»- بقينا على المسلسلات الوردية.. بدل التطبيل لصناعة التفاهة!

 

 

Email