قبل أيام وصلتني هذه الرسالة على هاتفي المحمول من رقم مجهول:

«معكِ من كانت على عهد مضى، رغم البعاد الذي قضى، عدتُ أبحث في الأحوال، مع جميل السؤال، ترى ما أحوالك، وأحوال دواوين فاروق جويدة، هل أنت وهي في صحة جيدة؟».

قرأت الرسالة مرة واحدة فقط، وكانت كفيلة لأعلم من المرسل، «فشفرات» البوح التي كانت بيننا جلية، لا أحد يستخدمها سوانا، كانت تلك صديقة الحرف، جمعنا جنون الأدب والشعر والشعور الصادق، تلك القادمة من بعيد رغم طول البعد، ومرور سنوات طويلة منذ آخر لقاء بيننا على مقاعد الدراسة، تلك القريبة البعيدة من «خورفكان» الدافئة وشواطئها التي تغمر روحك حد الغرق اللامتناهي في مدى أمواجها الأزلية.

ألهمتني رسالتها التي تركت في نفسي أثراً كبيراً، ففكرت في البعد الإنساني لعلاقتنا اليوم، ما الذي يجمعنا اليوم مع أصدقائنا، ما هو الشغف الحقيقي الذي يدفعنا لنلتقي ونلوك حديثاً غير مبالين بالوقت؟ قيل لي ذات مرة إن الصداقات أصبحت فضفاضة، خالية من كل رابط حقيقي! فهل حقاً نعيش في فقاعة العلاقات.. لنملأ بها قِربة الوحدة، لا غير!

رأيت في حياتي درجات مختلفة للصداقة، لكن الثابت أن تلك العلاقة تعطي لحياتنا قيمة وزيادة لعمق النفس، فمفهوم «الشلة» الدارج في حياتنا اليومية لا يعني صداقة حقيقية أو زائفة، إنما ما تحمله من اهتمامات مشتركة ومشاعر جلية، ومساندة حقيقية في الشدة قبل الرخاء، كما أن «موضة» الصداقات الافتراضية بأعداد «فلكية» عبر منصات التواصل الاجتماعي، والإفراط في استخدام كلمة «صديق» جعل المعنى فضفاضاً أكثر، بلا هوية، بلا حميمية، تلك المفاهيم قوضت المسافة بين المعرفة والصداقة، متجاهلين أن بينهما بُعد المشرق والمغرب!

الصديق وطن للروح.. فاختر بعناية من تلوذ إليه روحك.. واختر من يستحق أن يقال له «صديق».