اللهفة المفقودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في طفولتنا، كنا نستقبل الأشياء البسيطة بلهفة عظيمة. كنا ننتظر بشوق المسلسلات الكارتونية المدبلجة عصراً، ومجلة «ماجد» كل أربعاء، نعد الأيام قبل أي سفرة أو رحلة عائلية، نفرح بالعيديات القليلة التي نحصل عليها أيام العيد، وحتى بمجرد رؤية فراشات ملونة ترفرف في حديقة البيت.

اليوم، لم يعد هناك ما يستدعي لهفة هذا الجيل! لا يعجبهم شيء، وكلمتهم المفضلة هي «ملل!». أحدث الأفلام متوافرة على مدار الساعة، وبجودة عالية لا تُضاهي جودة تلك الأيام التي مضت، ولكن حين يذهبون إلى السينما وفي منتصف العرض يبدؤون بالضجر والملل.

كانت مسلسلاتنا تلك الفترة مثل «ساندي بل»، «غراندايزر» و«حكايات عالمية» وغيرها تُمتعنا أكثر، ولا نمانع أبداً مشاهدتها مراتٍ ومرات.

طفل اليوم يظل يبحث بين الكتب الكثيرة أمامه عن كتاب يشدُّه، يقلب صفحاتها، وغالباً لا يعجبه شيء منها، بينما كنا نُعيد قراءة الكتاب الواحد مرات كثيرة. كنا ننتظر يوم شراء قرطاسية المدرسة كيوم عيد، أما اليوم، فالشراء على مدار العام، وسرعان ما يزهقون من الأشياء التي اشتروها ويستبدلونها.

كنا نحمل أقلامنا الملونة والممحاة ذات الرائحة الفواحة، وكتاب التلوين السحري ببهجةٍ عظيمة، وكأنها كنوز ثمينة، ونتبادلها مع زملائنا. اليوم كل شيء يتوافر بضغطة زر، أو «أونلاين» كما يُقال.

حتى السفر الذي كنا ننتظره ونعد الأيام حتى نركب الطائرة، ونرى أماكن جديدة، لا يحمل اليوم ذات الشعور.

كنا ننظر بفضول ودهشة لتلك البلاد، نقرأ أسماء شوارعها، ونتأمل تفاصيلها، اليوم أعين الصغار لا تنظر سوى لشاشة «الجوال» أو «الأيباد»، وإن شاهدوا المناظر حولهم، فلتصوير مشاهد فيديو أو صور لتحميلها في حسابات التواصل الاجتماعي.

جيل اليوم لديه من الرفاهية والاختيارات ما لم نمتلكها نحن، ولا أدري إن كانت الأجيال القادمة ستحظى بها، وتجدهم يكررون كلمتهم المفضلة: «ملل!»، لا أدري ما أسباب هذا الملل، وكيف نُرجع إليهم الشغف بالأشياء حولهم؟.

ملل اليوم لا يُشبه ملل الأمس، رغم أن الأشياء اليوم أكثر بكثير، ولكن لا يُدرك هذا الجيل أن الأشياء التي تُسعدنا غالبًا ما تكون أبسط مما نتصور.

Email