أبيض

الكتابة بين الأسئلة والأجوبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الكتابة مكافأة بلا شك، لكنها أصعب ما يمكن أن يفعله المرء، فكم هو شاقّ أن يكتب الكاتب في فراغ الصفحة، ويصنع فيها حياة عاشها ولم يكتشفها..

ورغم الصعوبة، لم تتعطل الكتابة يوماً، طالما لهذا الكاتب الإنسان صوت وروح، بل كما قال الفيلسوف «نيتشه»: «يوماً يصبح التعبير أجمل وأكثر جودة، إن امتلك الكاتب روح أصدقائه أيضاً».

ليس الكاتب بمعزل عن أصدقائه الأثرياء فكراً يا «نيتشه»، فهو يحيط نفسه بهم، ولكن ما نقصده هنا، أن نشير للمتوهمين سهولتها، أي أولئك الذين يضعون المعاني المكررة والأفكار المملة، والحقيقة أن الكتابة تبدو أصعب يوماً بعد يوم، فلنتساءل، بما أننا ما زلنا في زمن التساؤل: ما الغرض من الكتابة؟ أجاب الكاتب «ألبير كامو» يوماً: «ليس الكاتب سوى محاولة لعدم تدمير الحضارة»، بعد هذا القول: هل نحن اليوم نكتب وفقاً لقول «كامو»، أم للموضة الفكرية؟ أم أننا نحاول جعل الكتابة منطقية؟ لكن هذا أيضاً يعارض قول الكاتب «كافكا»: «... وأنت تكتب اتبع هواجسك القاسية بلا رحمة».

الكاتب الحقيقي يحيا بالكتابة، فمن خلالها يشعر بشجاعة القول، ويتخلص من أحزانه، إلى أن يزداد شغفاً ويحتشد لقول الحقيقة، ومع ذلك تنقضي المعارض العربية، ووضع الكاتب العربي الموهوب، يشبه وضع الكاتب الغربي في القرن 19م، حيث تستغله دور النشر ولا تحترم حقوقه.. وهكذا، حتى يتجدد قول قديم من أجل إنقاذ الكاتب وتحفيزه على الاستمرار، يقول «فوكنر»: «أيها الكاتب، اقرأ اقرأ اقرأ... كل الكلاسيكيات والقمامات، فأنت كالنجار الذي يعمل كمتدرب».

لكن ماذا يا «فوكنر»، إن اهتزت الأصابع يوماً على لوح المفاتيح، هل تنتهي جاذبية الكتابة أم جاذبية الكاتب؟ إنها الرهبة، حيث كل ما يُكتب يطبع، وكل ما يطبع أصبح قابلاً للنسيان، يأتينا من جديد قول شافٍ آخر: «اكتب ما لا ينبغي نسيانه». إذن علينا أن نعترف بوجود الكاتب الأحمق، الذي يبدو أكثر حمقاً، إن لم يعترف بحمقه وما يكتب من زوال.

نعود لجاذبية الكتابة مع كاتب عربي، يلد اليأس في قلبه وعقله كل يوم، وهو يبحث عن المفردات الصحيحة، ومدى حاجته إلى المثابرة، وبشكل تدريجي، وممارسة الكتابة على فترات طويلة، بهدف الحصول على الحرفة بعد التفكير بالأشياء الجيدة، كطبيعة الروح بسماتها القيّمة، دون أن تودعه الهمة... بينما لا يجد المال ليستمر.

وعودة للسؤال المسموح وبشكل مختلف: ماذا فعلت بنا الكتابة منذ اختراعها؟ وماذا فعلنا نحن بقوتها؟ فهل نحن الآن في مرحلة الكتابة الوظيفة؟ وهل تنتقم الكتابة الوظيفة من موهبة الخيال التي تساعدنا على البقاء؟.

بعد الإجابات الشافية لكبار الكتاب، بقي أن نسأل مدرب الكتابة، هل تدرب الكاتب على قوة التفكير؟ أم على نقل ما يجري؟ وسؤال أخير: ما الذي نكتبه بالضبط؟ نخشى أن الكتابة في عالمنا، أشبه بحلم حزين.

Email