«المُخَوَّر»

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم الوطني بعد أيام، وسوف نحتفل بهذا اليوم العزيز علينا جميعاً، لأنه يوم ذكرى وحدتنا وائتلافنا وامتزاجنا ومحبتنا.. والجميل في كل عام ارتداء فتياتنا في هذا اليوم زي التراث الوطني.

لكن بالمقابل أيضاً ترتدي بعض بنات الوطن الزي الخاص بتراث الأوطان الأخرى، رغم ما لدينا من لباس التراث ما نعتز به وبأنواعه.

وكما نعلم أن زي التراث للمرأة في عالمنا العربي إجمالاً هو الجلباب، لكن يختلف تطريز كل منه حسب هوية المكان وتراثه، سواء كان هذا الجلباب قطناً أو حريراً أو مخملاً... لكنه يبقى حسب إمكانيات المرأة ووضعها المادي أو الاجتماعي، أو المناسبة.

ولا بد لي هنا أن أذكر إعجابي بالقفطان المغربي كيف تطور منذ عقود طويلة إلى يومنا هذا، فلم يكن في السابق كما هو اليوم، هذا التطور الذي حدث في جلبابهم بحب كبير لم يدمر هوية الزي وانتمائه لأرضه وتراثه، وها هم يتفاخرون بما رسوا عليه، بعد أن امتد قفطانهم شراءً واستخداماً خارج مملكتهم.

وبالطبع هذا حال العباءة اللبنانية، الجلباب الفلسطيني والأردني... وزخرفتها عند الرقبة والأكمام وبأياديهم الماهرة، وبوعي كبير وهم يمضون في نقشها من خلال الأشكال الهندسية الرامزة، فلا هدف لهم سوى تعزيز هوية الأرض، وترويجها رغبة في الاستخدام اليومي، لا في المناسبات الوطنية فقط.

وهذا دورنا مع جلباب تراثنا المُخوَّر، ومع دخول الزي الحديث، وتراجعه، باسمه المفعول منه، والماضي «خَوَّر»، وخَوَّرَ تخويراً أي جرى بتطريزه على القماش بعد كسره وخفضه وارتخائه في النسيج، يشقه وينمق به، سواء كان نوع التطريز هذا هو «التَلّي» أو «السيم» أو غيره، وحتى قبل أن تدخل الآلات الحديثة، كان للحياكة خصوصية على خيوط «خُوص التلي» اللامعة من فضية وذهبية، لتجري مجرى الحب على تلك القاعدة اللولبية «الكاجوجة».

وكذلك الخيوط القطنية وبكل ألوانها كانت توشى في يد كل فتاة ومن منزلها تحيك فيها بمهارة، ليقيس البعض براعة الأنثى بها وهي تتحكم في خيوطها كفعل اجتماعي راق.

يستحق ثوبنا المخور إعادته وبقوة في واجهة أعيادنا، لا استبداله بتراث الآخرين مع احترامي لكل تراث، بل وقد آن الأوان أن تُطور شابات بلادنا الطموحات هذه الأيام بمشاريعهن التجارية الراقية للعباءة والجلباب، واستبدال محاولاتهن التجارية في تطوير وتكريس ما هو بعيد عن جماليات إرثنا وفنونه.

والعودة لما لنا وعلينا، وتقديم زي المُخوَّر مجدداً ومتجدداً في أقمشة بهية ذات اللون الوحيد بخفوته وإشراقه، ليبرز التَخوير اللامع في أعلاه. نُطوره ونقدمه للآخرين وللبلدان البعيدة لا لعرضه فقط كتراث تليد وكأنه شيء من الماضي، بل بنية تسويقية، وارتدائه بإعزاز وفي معظم الأوقات... بدلاً من الضياع في التركيز على دخيل وأجنبي وكأن لا هوية لنا، بالرغم أن ما لدينا وافر ويفيض.

Email