الكاتبة إميلي والأميرة سالمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدر عام 1886 كتاب باللغة الألمانية بعنوان «مذكرات أميرة عربية» لمؤلفته الألمانية إميلي روتي أو العُمانية سالمة البوسعيدي، وهي أميرة كانت الصغرى من بين 36 ابناً وابنة من أبناء السلطان سعيد بن سلطان.. وقد امتد بها العمر طويلاً، فعاشت بين قرنين (19 و20).

والمتتبع لسيرتها يرى كيف اشتهرت المؤلفة بمذكراتها في العالم كله، فاعتقد سواد الناس من الشرق بأن سبب صيتها هو سلالتها العريقة كأميرة عربية في زمن يندر أن تكتب امرأة سيرتها شرقاً وغرباً.

على أن الغرب التفت أكثر لمذكراتها كمؤلفة وتعمّق في الأحداث التي سردتها وأسهبت في تعليلها، وعن تلك الرؤى حين كانت في كنف شخصيات أسرتها المعروفة، وسحر الأحداث الاجتماعية في الإمبراطورية العُمانية، وعن أوضاع الناس والأعمال والمواسم الزراعية، فكان موضوعاً استشراقياً واقعياً للغرب وهي تصف القصور والمرأة والعادات وتراث الشرق.. بإيقاع حقيقي لا غموض فيه.

اعتبر الألمان مذكراتها ذات أهمية فائقة لكونها مصدراً شفهياً صادقاً من المُمكن نقله، وفناً أدبياً شيقاً وسرداً تاريخياً نادراً غاية في الأهمية عن عُمان والخليج وأفريقيا والمنطقة، ورغم أن المذكرات موجهة بعاطفة عالية لطفليها، كعهدة لهما، لكن نصيحة أصدقائها بنشرها كانت في محلها، بوصف تلك الشهادات الفريدة من نوعها ثروة ثمينة، وخاصة من أميرة مثقفة ثقافة عالية عاشت طفولة ذهبية بين أهلها السلاطين، بتعليمها وكتابتها ولغاتها الكثيرة من العربية والشركسية والتركية والفارسية والحبشية والنوبية والسواحلية.

تطرقت الأميرة لأحداث إنسانية، كتجارة الرق التي كانت متفشية شرقاً وغرباً، كما تناولت الحديث عن قضايا كبرى، مُبدية اعتراضها على ميل خطاب الغرب الأوروبي باعتبار أن العالم العربي والإسلامي وأفريقيا عوالم بدائية.

خرجت طبعتها الألمانية، لتعيد المطبعة تلك النسخة 4 مرات خلال العام نفسه، من مؤلفتها الأميرة التي عاشت في شرقها إلى زواجها بألماني غربي. سردت الحقيقة وبشجاعة غير متوقعة وهي بينهم، خاصة أن الغرب قرأ الكثير من كُتب المستشرقين بعد عودتهم من الشرق العربي والإسلامي، وهم يصفون الغرائب مع المبالغة، ليثبت بعد ذلك أن الكثير منها متخيل، سرداً ورسماً، خاصة في ما يتعلق بالمناطق المحظورة عليهم كالمساكن الأسرية والمساجد.

بينما الأميرة وبعد وفاة زوجها، أخذها الحنين لموقع طفولتها زنجبار، أيام الحكم العُماني لها، واشتاقت لموطنها الذي كان مرتعاً لطموح القوى الغربية، حينها لم تتردد في إرسال رسالة لأخيها السلطان برغش بن سعيد، تحذره من مشاريع الإنجليز في زنجبار، وتمنحه الأمثلة على أطماعهم كما جرى في مصر وغيرها.

المذكرات الغنية أثارت إعجاب المفكرين والمؤرخين والمؤلفين والنقاد وعلماء الأعراق والساسة والأدباء.. ومازالت، بل وألهمت المؤلفين في شجاعتها وصدقها وثقافتها ونبلها... ليقلدوها، فصدرت مذكرات عدّة في الغرب والشرق أرادوا محاكاتها والأمثلة كثيرة، لكنهم مازالوا مقلدين حتى هذه الألفية.

Email