«نوفيللا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ قرن و«النوفيللا» تحاول أن تجد لنفسها مكانة خاصة في عالم الأدب، فهي تَعد نفسها صنفًا أدبيًا مستقلاً، وترفض أن تكون قصة أو رواية بمفاهيمهما الواسعة، هذان الصنفان الأدبيان المعروفان بعد الشعر، ورغم أن «النوفيللا» حكاية سردية، لكنها مؤهلة بأن تكون رواية قصيرة جدًا، أو قصة طويلة جدًا، لكونها لا تتعدى بعض الأحيان الثمانين صفحة، لذا ارتأى المصنفون أن تبقى كما هي بمسماها «نوفيللا» والذي أتى من لغة موطنها الأصلي إيطاليا ومنذ زمن نهضتها وانتشارها بعد ذلك عبر مدن العالم، فتم وضع سماتها في قائمة جوائزها الخاصة بها.

عانت «النوفيللا» طويلاً قبل استقلالها رسميًا، وبعد سنوات من نظرة غير واضحة لها من الناشرين بتجنبهم طباعتها، فهامش الربح فيها بسيط، كما تحججوا بصعوبة توزيعها وبيعها، بعد انصراف القراء عن اقتنائها، متسائلين عن ماهيتها.

بلا شك إننا اليوم أصبحنا نقرأ «النوفيللا» في جلسة واحدة وممتعة، فمن أجمل آثارها أنها تبقى في الذاكرة ما شئنا، حتى أضحى كل روائي عالمي يحرص على كتابتها، وأمسى هدفًا من أهدافه ولو تجربة واحدة، تعريفًا بمهاراته الفنية من خلالها، لتدخل باعتزاز قائمة أعماله الإبداعية، تماماً كما يحرص بعد إنجازاته الطويلة على كتابته السيرة الذاتية، فكلها أدوات وقدرات لا بد من تجريبها.

تحتوي عادةً الروايات الكبرى وذات الحجم الكبير على صراعات عديدة تنقسم إلى أبواب وفصول لتتجدد كل حين، بينما «النوفيللا» لا تنقسم إلى أي فصل، والبطل هو الوحيد الذي يملك زمام الأمور، بحيث يمضي بعد الاستهلال وبنَفَسٍ واحد نحو الموضوع المركزي بكثافة حتى نهايته، مكتفيًا وهو في طريقه ببعض الانطباعات عن بقية الشخوص دون أن يفكر بتنميتهم، مانحًا الدلالات المزدوجة بعد إيجاز مدروس جدًا، ووصف مترف وشديد الفعالية حتى يحافظ على التأثير الواحد، ساخرًا ومضحكًا ومستفزًا حتى النهاية.

وهكذا فإن استقلالية شخصية «النوفيللا» في الدول الأوروبية والغربية أصبحت واضحة ولها جوائز منفصلة وشروط لها وحدها... بعيدًا عن جوائز القصة والرواية والشعر، وبعدد كلماتها الموجزة التي لا تتعدى العشرين ألف كلمة. فخرجت نماذج خالدة منها، مثل «مزرعة الحيوانات» لجورج أورويل، و«العجوز والبحر» لهمنجواي، وهناك «الجميلات النائمات» للياباني كاواباتا صدرت عام 1961م، ليتمنى الكولومبي ماركيز لو كتبها، لينتج في ذات العام «نوفيللا» بعنوان: «ليس للكولونيل من يكاتبه» وهي من الروائع.

وتبقى الأمثلة الجيدة لدينا أيضًا في الإمارات رائعة ثاني السويدي «ديزل»، أما عربيًا ورغم قوتها وجمالها لا تزال تقدم كرواية وتدخل في خانة جوائزها، فتجلس بين الروايات الضخمة ولا تفوز، وكأن وجودها في القائمة يكفيها شرفًا قرب الكبار، وأخيرًا فقد آن أوان تخصيص جائزة منفردة لـ «النوفيللا» العربية، فهي بحاجة إلى تقدير لتحقيق كينونتها الأدبية المستقلة.

Email