لا يكفي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت فكرة لا تصدق من كاتب إيرلندي شاب وموهوب يدعى «أوليفر جيفرز» مؤلف كتاب جذاب وغير معتاد، بعنوان «الصبي آكل الكتب» عن طفل يحب الكتب كثيرًا ويهتم بها، ورغبة عارمة في أن يصبح أذكى طفل في مدرسته... ومع كل هذا الطموح لا يحب القراءة.

وهذه الفكرة أصبحت مكشوفة لدينا، إلا أنها متروكة من غير نقاش أو تحقيق أو حتى عرض أسبابها، في أن نحب الكتاب ولا نقرأه، وأغلب النماذج حولنا هم هكذا، أطفال وشباب وكبار حتى من الآباء والمسؤولين في ادعائهم ذلك الحب للكتاب، فهل ذلك يكفي؟

أما الصبي بطل القصة المكتوبة، فيحتار في أمر طموحاته وكيفية تحقيقها من جهة، وأمر حبه للكتاب وعدم حبه للقراءة من جهة أخرى، ليقرر أن يأكل الكتب، يمضغها فيهضمها، فيذوق المعلومة، ويستمر في قضم الصفحات ويزداد حلمًا في أن يصبح الأذكى في العالم بحصوله على المزيد من المعلومات بعد الهضم، فيأكل المزيد من صفحات مصورة وقصص ومراجع وخرائط وقواميس... حتى أصابه عسر في الهضم، ويمرض، وينصحه الطبيب بالكف عن التهام الورق، وإن لم يحب قراءتها.

ونحن نمضي مع البطل الصغير الذي يشتهي الكتب ولا يقرأها، نلاحظ كيف يتحول المؤلف الذكي ويأخذ دورًا آخر في سرده، بطرحه الرسائل لا بكشفها بل مدسوسة بين السطور، فيمنحها القيمة حتى في خفائها من خلال رسومات مشرقة وملونة وحادة مع مخططات نبيهة، ليذهب إلى أهدافه ببساطة في أن يحب الأطفال القراءة، فلا يكفي أبدًا حب الكتب.

ننظر إلى أنفسنا ونراقب كيف تمتلئ المعدة ولا يمتلئ الرأس، ونتساءل: هل يمكن أن نُشَبّه مغص البطن بألم الفكر؟ وهل ممكن أن يأتي الذكاء من حب الكتب؟ فالمعلومة والمعرفة والإدراك الذي يفضي إلى النباهة والنضج والشعور وبالتالي البصيرة الراقية... كل ذلك لا يأتي من حب الكتاب وحده.

نعود لقصة «صبي يأكل الكتب» الصالح لأطفالنا في مراحلهم الدراسية الأولى، ونذهب للمؤلف «جيفرز» المنجز لهذا الإبداع اللافت ومنذ أكثر من عشر سنوات، والذي أذهل أطفال العالم بغلافه لطفل يأكل الكتب، ويوسع خيالهم كيف لصبي يقرر مضغ نصف كتب العالم ليصبح ذكيًا؟ وها هو يحسم بالصبي البطل سلوكه ويقرر أخيرًا أن يقرأ ويقرأ، ويكتشف حوله الأشياء والعالم والأفكار، ويأخذه الاهتمام والحماس ليقرأ أكثر، ومن كِتابٍ إلى كِتابٍ إلى كُتب، ليلاحظ دماغه الذي بدأ يضوع ويبلغ لا يكف عن النمو... ويختم «جيفرز» الكتاب بأن الصبي لا يزال يريد أن يصبح ذكيًا، لكن من دون استخدام أسنانه، إنما مع المزيد من الوقت لقلب الصفحات.

Email