تَرَاحُم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في اللغة الإنجليزية يقال للخير «جَّرِيتي» وهي كلمة جديدة لدى الإنجليز، لأنها لم تنشأ إلا في القرن التاسع عشر، بعد أن دخلت عليهم من فرنسا «جَّغِيتي»، والتي اشتقت من أصلها اللاتيني «كَرِيتَاسْ»... لكن الكلمة وبكل اشتقاقاتها لا تعني الصدقة أو العطاء أو الخير، بقدر ما تعني العناية والحب، أو كما هو القاموس اللاتيني الذي يُعرفها بأنها الشكل المميز للحب.

وعلى الرغم من أهمية العطاء الخيري ورُقيّ العمل فيه من خلال مؤسساته المختلفة، سواء كان بإعطاء المال أو البضائع، أو غيره... يبقى العطاء في منح الوقت للخير بمحبة هو الأهم، لا الوقت الوظيفي الواجب إنجازه فقط، أقول ذلك بعد أن لمستُ شخصية نموذجية يعطي من وقته وفكره وقلبه للخير، وهو الفاضل أمين الخاجة، مدير جمعية التراحم بدبي الواقعة عند مدخل منطقة الراشدية من جهة الغرب.

ورغم صغر مساحة هذه الجمعية مقارنة بالجمعيات الأخرى حجماً ومالاً، لكنها تحل الكثير من المشاكل المتأخرة، فمدير الجمعية أصبح بخبرته في هذا العمل السامي محنكاً بشغف، ومتمرساً بعدل، في حله المسائل الصعبة للمحتاجين لا بهبة الأرقام والكميات المسجلة، بل بانتصاره على الانتظار.

(الانتظار) هذه الكلمة القاسية لدى المحتاج، والتي لا يُفسرها إلا أنها التراخي والاستهانة في حقه... لذا يتعامل أبا سعيد مع حاجاتهم في أقسى ظروف شراستها التي لم تَعُدْ تحتمل التوقف، ليترصدها، فحاجات الفقراء علينا أن نحسّها، ونشعر باللطف تجاهها، لا التوقف على قوانين صَدَقَتِها وزكاتها، وإلا كيف لم نتساءل عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم، ويفتقرون إلى وسائل الدعم الخارجية، في تَحَولِهِم إلى أمرٍ نحاربه، وهو التسول.

تفكيره مختلف، لأنه يحرص أولاً على ألا يتضرر المحتاج بالانتظار، فللمحروم روح، والترقب لهؤلاء ظُلم، فلم يعد إخفاء المعاناة ممكناً... ومثالاً فإن أبا سعيد يأتي بنفسه بمن يداوي آلام المرضى، ويظل يتابع العلاج بنفسه حتى يتم، ولا ينتظر مواعيد المستشفيات البعيدة، هذا وأنه يُكمل بيوتاً متوقفة عند هيكلها الأسمنتي منذ عقود، لتراكم الديون وأسباب أخرى، مروراً بتأثيثه منازل صغيرة تبدو من الخارج جيدة لكنها خالية من الأثاث في داخلها وينام أصحابها أرضاً، أو منازل لا يأكل أصحابها إلا من البقالة وصاحب الشاورما سلفاً...

لا شك أن العطاء في دولة الإمارات في ازدياد، بعد أن تطورت هذه المؤسسات الخيرية في القيام بأعمالها، لكن يبقى تخصيص الوقت بحب وبشكل مميز وسريع لهؤلاء المعسرين هو الانتصار على الانتظار، لتصبح المساعدة فعلية، فالكثير من الموظفين في هذا المجال يطلبون من المعدم أن يأتي بأوراقه كاملة ومطبوعة، وهي كثيرة ومُكلفة... وإن لم يَعُد، بالطبع لا يسألون عنه.

عمل الخير إنساني وطوعي وليس دعاية أو وظيفة. عملٌ يفرض وجودنا وكياننا الطبيعي نحن الميسورين والمُكتفين على هذه الأرض الدائرة.

Email