متاحف ذكية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل المتاحف الرسمية التي نزورها ثمة مَتجر أشبه بمكتبة تودعنا عند بابها لتحفظ ذاكرة ما رأينا في أروقتها. بضائعها على شكل أقلام ودفاتر أنيقة أو لوحات عليها رسومات ومنحوتات صغيرة تُصور كل القطع الأثرية التي شاهدناها، فتبيع معها وبشكل تجاري الحُليّ من القلائد المقلدة والخواتم والتيجان الأثرية، بجانب المجلدات التي تعرض مقتنياتها، ولأنها متاحف ذكية فإنها لا تهدف إلا لتذكيرنا واستحضار ذلك المشوار الثقافي فينا، كي لا ننسى هذا اليوم الخاص، وكأنها تدعونا إلى زيارتها من جديد.

لا مفر الآن أمام إدارات المتاحف المتراخية في ألا تضع أهدافها واستراتيجياتها الجديدة، فلم تعد إدارتها ذات جدوى كالسابق وهي تضع ميزانيتها السنوية لتغطي الترميم والمصاريف، فالمتاحف الجادة الآن تكرس نفسها للدعاية والتسويق لعرض مقتنياتها الهامة والنادرة بعد أن تصورها وتكبرها وتلصقها على جدران الشوارع والأسواق مع التعريف بها، وكأنها دعاية لفيلم، وكذلك في النوادي أمام مسابح المياه وعلى جداريات الأسواق القديمة والمولات الجديدة، وفي مناطق البسطاء، والأحياء السكنية، وفي المترو والحافلات، ليرى الناس حولهم في كل وقت هذه القطع النادرة والمكتشفة في أرضهم والعائدة لحضارات ماضية.

ومن تلك الاستراتيجيات أيضًا والتي تعمل على المزيد من الانتشار، قامت المتاحف العالمية باستئجار بعض صالاتها الفارغة لتقدم خدماتها من الألف إلى الياء، لزيادة الإيرادات من جهة وتحقيق حلم الموهوبين من جهة أخرى في عرض أعمالهم، والمضي إلى استغلال عطلات نهاية الأسبوع في التخطيط لرحلات سياحية ونقاش لوحاتها مع عرضها لأفلامها، ومنتجاتها من القطع الأثرية المقلدة.

تبقى الفاعلية الكبرى لتلبية هذه التغييرات، في عرض آثارها عن طريق الهواتف الذكية ووسائل الاتصال والتكنولوجيا إلى أقصى الحدود الممكنة، لتمنح فرصة للنقاش والبحث، وتعزز رغبة الناس للحضور بهدف التعويض الثقافي، وذاكرة يتبادلونها مع غيرهم مع التوصية لمشوار آخر، كل ذلك يساعد على زيادة التثقيف، والحصول على التمويل والمزيد من التبرعات من أهل القدرة والاهتمام..وبالتالي يساهم كل متحف في قطاع السياحة فتصبح السياحة الثقافية مفهوما جديدا وناميا، فمن اليقين أن المتحف لا يقوم بدوره التثقيفي إلا على الحملات الترويجية.

هذه الغاية الفريدة من نوعها في وقتنا المعاصر نطمح لها كذلك في دولتنا الإمارات بتقديمنا المزيد من التسويق الإبداعي لمتاحفنا، وفي انتظار رؤية المكتشفات الأثرية للقصيص وساروق الحديد وأم النار وحفيت ودبا ومليحة والدُور..مصورة ومكبرة حولنا على الجدران أينما كنا للمزيد من الإثراء، وجلب الزوار من الداخل والخارج من أجل اقتصاد مستقل لهذه المؤسسات المهمة، وبالتالي وضع صناديق للمساهمة العامة والسعي لتمويلها كي نؤمن من خلالها متاحفنا، بدل الدعم والصرف المستمر وغير المدروس، فلننظر إلى المتاحف المتقدمة وبأحجامها المختلفة في جميع أنحاء العالم، باتت طموحة في السنوات الأخيرة ليصبح الوصول إلى القلب هدفها الأول.

 

 

Email