داء النخبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلا شك أن الأدب متعدد الأساليب، فمهما تغيرت العصور، يبقى الأدب بأنواعه، كالأدب الشعبي المقروء لدى أغلبية الناس، لكون هذا الأدب يحمل نصوصاً من التراث والحكايات الفلكلورية التي تمس معظم القراء.

مروراً بالأدب البوليسي، وأقول بثقة بأنه في الكثير منه سلبي، لأنه يقوم باستنزاف فضول المطلع لا فكره، وبهدف وحيد، هو إيصاله إلى النتيجة الغامضة للحكاية، وكذلك أدب الأقليات، لكونه موجهاً للأعراق والمذاهب والأحزاب، ولو بالخفاء بين السطور... وهكذا، حتى نصل إلى الأدب النخبوي الثري، الذي، ومع الأسف، يقتصر على اهتمام فئة قليلة من القُراء، بسبب احتوائها لمعايير فكرية عميقة، تأخذ القُراء نحو تساؤلات قصيّة، فيمنح هذا النوع من الأدب النخبوي الخصوصية في العطاء... لكن في النهاية يندرج جميع ما ذكرنا من الأساليب وبأنواعه تحت مسمى الأدب.

ولعل الغريب أن لقب «الكاتب النخبوي»، بات مؤخراً مستفزاً للبعض، لما فيه من تصنيف وتمييز عن الكُتاب الآخرين، رغم علمهم بأنه الفارس الذي يحمل الكلمة الفاصلة، بعد أن حقق ثمرته الأدبية والإنسانية لجمهوره، وانتصر انتصاراً مختلفاً في مساره الفكري... لكن يبدو أن الوضع اختلف الآن، فنحن لم نعد أمام النخب الثقافية المفكرة والمنتجة، بل المستعارة منها أو الشبية بها، الذين توهموا النخبوية، وتحولوا بمرور الوقت إلى نخب ذات خصائص خاصة، بالذات بعد دخولها إلى عالم أخذ المزايا في تلك المؤسسات العريقة، فقامت بحجب نفسها في سور صغير وجميل، فلم تعد هذه النخبة المسورة للإنتاج فقط، بل ترفض حتى قراءة ما تنتجه الأجيال التالية، على أساس أنه جيل هش في كتابة الأدب وضعيف في الفكر، ليظل مردداً ذلك في كل احتفالية تقوم بها تلك المؤسسات الثقافية، حتى يتطاول الغرباء على هذا الكاتب الشاب، ويسمحون لأنفسهم بالتجاوز عليه دون قراءته.

هذا النخبوي الذي تم اصطفاؤه واختياره، دخل إلى مسرح ناجح، كفارس فوق صهوة، لا أخطاء فيه، وهو يجري فوق خيله المجنون، ويقفز أينما شاء مع الريح... حتى من الصعب الآن أن يدرك هذا النخبوي صاحب السور، أي حقائق جديدة أخرى حوله، ومن الصعب أيضاً أن يقبل الأطروحات الجديدة الشابة، فهو من أصحاب المزايا، ووضع سياسة الرفض لكل ما هو جديد، ليستفرد بنفسه دون غيره، لتصبح نخبويته أشبه بذلك البرجوازي الذي حمل عبر التاريخ فهماً إقطاعياً لمسماه، لكونه يصنف بين من يملكون ولا يملكون، ويبقى الأديب النخبوي الحقيقي في الأدب، هو الفارس الذي ينتصر للإنسان، وعلى جميع أشكال الحياة التي نعيشها، لأنه الأكثر تأثيراً وصدقاً، بل ولأن ثقافته وكتابته وفكره كالمغناطيس، يؤثر في ذوق المجتمع بتنويره جذباً.

ومع ذلك، تبقى مفردة الكاتب النخبوي مستفزة، لأنه يذكرهم بالطبقية المسورة، التي لا يمكن لها أن تأتي بإبداع.

Email