عادة تليدة وعنيدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي قصص العشق في جزيرة العرب، تلك التي أنهتها العادات بأمرٍ أو قرارٍ شفهي، كي لا تنكسر التقاليد في دساتيرها غير المكتوبة، أشهرها حكاية العاشقين «أجأ» و«سلمى» أبناء العم اللذين تحول شغفهما ببعض من قصة واقعية إلى ميثولوجيا أو أسطورة تحدث عنها العرب طويلاً في حائل المشهورة بجبالها وشذا محاصيل برتقالها، وأوديتها الفاتنة..

الواقعة الآن في المملكة العربية السعودية، فحين كانت تدين بالمسيحية والوثنية وغيرها من الاعتقادات، تم رفض هذا الحب، فهربت سلمى بلوعتها مع خادمتها «عوجاء» لتلتقي بـ «أرجأ» بعيدًا عن منطقتهم.

علم إخوتها الثلاثة، فلا زواج للمغرمين من القربى وهم أمام الموروث من السلف، ليقوموا بصلبهم على جبال حائل الثلاثة بعد أن تم قلع عيون «سلمى» قبل صلبها على الجبل الواقع شرق حائل، الذي سمي باسمها، جبل سلمى منذ تلك الحادثة حتى يومنا هذا، كما صلبوا «أرجأ» بعد أن كَتَّفُوه على الجبل الغربي للمدينة ليسمى باسمه، أما الخادمة «عوجاء» فكان عقابها أشد، لكونها كانت مرسالاً لهما، وساعدتهما على الهرب، ليقوموا بقطع رجليها ويديها، وتُصلب على جبل العوجاء الذي سمي باسمها أيضاً.


ولقسوة ما جرى هرب إخوتها الثلاثة إما خجلاً من عشق أختهم أمام العرب، أو من بشاعة قتلهم. والحقيقة أنني لا أعرف أصل هذه العادة العنيدة، وكيف تدرجت عبر كل تلك السنين، فحتى عندما جاء الإسلام ومنح حرية الزواج والطلاق، لم تتغير القبائل في عنادها، ولم تُتَوج قصص الغرام تزويجًا بفرح إذا فاحت رائحتها بين أبناء الآصرة، لتحرم التقاليد اقترانهما وإن أجازه الدين، وسواء الديانة المسيحية أو الإسلامية أو غيرها من المعتقدات المتسامحة مع الإنسان في جزيرة العرب، إلا أن الموروث لم يشفع لتلك الارتباطات العاطفية حين يُكشف عنها.


كانت التقاليد هي الراسخة والمنتصرة حتى أمام القوانين وإلى فترة قريبة من الآن. العادات التليدة ليست كلها جميلة، فبعضها شرسة ولا تبالي حتى بما آمنت من حرية الاختيار في الزواج والانفصال.. وأمام تلك الوقائع، فإنها لم تكن تعرف سوى ما اعتادت عليه من عناد، تماماً كما جرى للعاشقين البريئين أرجأ وسلمى من بني عمليق اللذين قُتلا وصلبا.

وأيضًا في التفريق بين ليلى العامرية والشاعر قيس بن الملوح، وبين الشاعرة ليلى الأخيلية وتوبة بن الحمير من بني عقيل... ليستمر هذا القرار بعدم تزويج عشاق الأقرباء أو حتى الأصدقاء إلى قبل عقدين من الآن، وفي جميع مناطقنا، حيث لم يختفِ هذا النهج إلا أخيراً وفقط أمام المَدَنية الزاحفة والفكر العصري الجديد بعد أن قامت هذه العادة العنيدة بإقصاء الحب والمحبين لقرون طويلة.











 

Email