أين اختفت السندية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُصيغ الأسئلة نفسها من خلال القراءات التي تمر علينا، أسئلة لا تخجل من طرح نفسها، لتتوالد من رحمها، وينبثق السؤال. تقودنا بعدها للنقاش والتخمين والبحث...

لا شك أننا قرأنا وكتبنا عن حضارة أم النار في أبوظبي وأنها كانت تلعب دورًا تجاريًا وسيطًا قبل أربعة آلاف عام بين حضارة بلاد الرافدين وحضارة السند، كون أم النار تطل على الخليج، فكانت اللغة التجارية المتداولة هي السومرية المكتوبة في جنوب العراق والتي تشبه في نقشها المسمار، وتم تداولها في بحرنا حتى الوصول إلى بلاد السند «باكستان»، ليخرج السؤال: أين هي اللغة السندية إذن؟ وهل تم تداولها كاللغة السومرية في رسائلنا التجارية؟

والشاهد أن السند حضارة تقع أغلبها الآن في باكستان، وبعضها في أقاليم أخرى حولها، أما ما يعنيني هنا في أن اللغة السندية التي لم أجدها تتداول في التاريخ كثيرًا. حتى قرأت أخيرًا كتاب «حضارة السند البائدة» الصادر من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة «كلمة»، لمؤلفه أندرسون روبنسون الصحفي البريطاني المعروف في اهتمامه باللغات البائدة ورموز الكتابة التي لم تحل في العالم، والذي ترجمه مشكورًا د. مصطفى قاسم.

كتاب رائع، لأنه ناقش فيه بدقة اللغة السندية التي حاول مختصون كثر تفكيك تجاويفها ورموزها ونقوشها، وعبر قرن من الزمن، مُسهبًا تفكيك وفصل كل مختص على حدة، لتصبح النتيجة أنها لغة لا تنتمي إلى الأبجدية المفهومة أو نظم الكتابة إجمالاً، فرموز اللغة السندية لا تمثل صوتًا أو حرفًا صوتيًا للغة نفسها التي بدت لهم محدودة، لغلبة دلالاتها على رموز دينية وشكلية..

ناهيك عن قيام المختصين بمحاولات تفسير اللغة السندية عن طريق اللغة السومرية لوجودها كلغة حية في الفترة التجارية ذاتها لحضارة السند وتعاملها معها، ولكون السومرية مكتملة الوظائف لغوياً وكتابياً، ولتشابهها في بعض الحروف والرموز مع السندية، لكن محاولات المختصين لم تثمر سوى القليل منها.

فالاستناد على لغة لتفكيك لغة أخرى قد لا تصيب دومًا، أما مع السندية فكانت مستعصية على الفكاك، فهي لم تكن أبجدية بقدر أنها رسوم وتقاطيع وجدت مرسومة، ولأنها قبل كل شيء كنظام كتابة كانت غير مكتملة الأركان وبالتالي وظيفتها ناقصة، فتيقنت أن ذلك كان من الأسباب الرئيسية في أن نجد بمتاحفنا مشاغل السند اليدوية من فخار ونقوش وحِرَف أكثر من حروفها ولغتها.

ومن الجميل أن يختم المؤلف روبنسون في كتابه مدافعاً عن اللغة السندية البائدة في اعتقاده بأن هناك فرصاً للتوصل إلى فك المزيد منها بعد تفكيك حروف عديدة، ويكفي أنها ستحتفظ بمكانتها الفريدة لكونها أكثر كتابة في العالم فُكت رموزها.

 

Email