التواصل الاجتماعي والنقد الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بهدف الكشف عن جوانبنا المبدعة التي لا نعرفها في شخصياتنا، وبالتالي رغبتنا في أن نبتعد عن استهتارٍ لا يمثلنا، علينا العودة إلى النقد الذي مارسته كل الحضارات القديمة والحديثة من أجل المزيد من البناء والتطور، وحرصاً على الوضوح، فإننا نعلم أن النقد مختلف في أشكاله وعلمٌ متفرع في مقاييسه الأكاديمية الواسعة، لكن ما يهمني هنا تحديداً هو النقد الاجتماعي وعن ضرورة ممارستنا له للارتقاء بنا، وهذا لا يعني إظهار عيوبنا كبشر، ولا أن نمتدح الآخر مدحاً ليس في محله، بقدر أن يحمل نقدنا له مسؤولية جماعية عاطفية متشابكة بوضوح، كي يستقيم.

في مشهدٍ لاحظته في وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنه لم يكن صيداً مني بقدر ما كان رصداً قبل أيام لمؤسسة عريقة في تاريخها وعطائها الخيري، أن تختار مشهوراً رمى بسنارة الشهرة مؤخراً في مواقع التواصل الاجتماعي، أحَبهُ الناس لطيبة قلبه وخفة لغته التي تميل إلى الكوميديا، حتى أتته فرصة تمثيل هذه المؤسسات الرسمية خارج الدولة أثناء تقديمه للمساعدات وهو خارج الوطن، واعتقدُ جازمةً بأنه المشهور بطيبة قلبه كان يقصد التخفيف أثناء المساعدة لنساء ورجال يعانون من ويلات ظروف لا ذنب لهم فيها، ليتناسى أنه تحول من تمثيل نفسه أمام من يتابعه في موقعه على التواصل الاجتماعي، إلى تمثيلنا جميعاً في الخارج، وبنفس أسلوبه الساخر والجارح.

حين نخرج من بلادنا وفي أسفارنا الخاصة كل حين، يتحول كل ما نقوم به من سلوكيات فردية معتادة إلى معنى شمولي للآخر الذي يرانا ولا يعرفنا، لأننا نعكس ثقافة بلادنا في نظر هذا الغريب ونصبح في عينيه وطناً بأكمله، مهما كانت نوايانا طيبة أفراداً ومؤسسات، فلسنا وحدنا في هذا العالم الذي نحتاج فيه أن نراقب سلوكياتنا الاجتماعية، وننتقد ذلك المشهور في حسابات التواصل الاجتماعي كي لا يعتقد مع الوقت أن أسلوبه نوع من المرح يمثل روحه السعيدة، فلا شفاعة لشهرة صنعها جمهورٌ يمدحه على الدوام، ولا مغفرة إذا تبع هذا الشهير الإسفاف والتجريح، فيتمادى وكأنه من كوكب آخر، متناسياً أنه أمام مساعدات إنسانية يقدمها خارج وطنه، لأولئك المنكوبين دون إظهار ولو بعض الحزن تعاطفاً مع ما يوجعهم.

Email