كلنا إبراهيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل عدة سنوات، حرضتني سلوكيات طفل غريبة إلى التساؤل «ما التوحد؟».

تساؤل لم يمنحني إجابة شافية، بقدر ما منحني سلسلة من تساؤلات أخرى، ظلت تأخذني إلى نقطة البداية كلما اقتربت من نهايتها، وما زلت من تلك اللحظة، أبحث عن إجابات كافية، لأدرك اليوم أن معظمها أضحت محاور بحث ونقاش ومحل للجدل لكثير من الخبراء والاستشاريين والمختصين، ممن استفزهم غموض اضطراب ارتفع عدد مصابيه من شخص واحد من بين كل 5000 شخص، إلى شخص من بين كل 68 شخصاً في العالم خلال أربعين عاماً فقط.

هذا ما أشارت إليه الدراسات التي عُرضت في مؤتمر (نظم الرعاية الشاملة لاضطراب طيف التوحد: منظور عالمي لأفضل الممارسات الحديثة)، من تنظيم مستشفى الجليلة التخصصي.

عُرض على هامش المؤتمر، حكاية «إبراهيم»، التي منحت الحضور أفضل رسالة توعوية، إبراهيم الذي تم تشخيصه بالتوحد في سنواته الأولى، ليبدأ بعدها مع أسرته رحلة امتزجت بها التحديات.

إبراهيم، لم يرَ المجتمع فيه سوى إعاقته التي منعته من دمجه في التعليم العام والخاص، أو الدخول إلى أي مؤسسة أخرى تُعنى بتعليم أو تطوير الأفراد من ذوي التوحد، ليواجه الوالدين الحقيقة المرة، وهو مصيرهم في الاعتماد على أنفسهم فقط للاعتناء بطفلهم، الذي ظلت احتياجاته تزداد تحدياً وصعوبة، كلما تقدم به العمر.

إبراهيم اليوم يبلغ من العمر 23 عاماً، من الصبر والعزم والتحدي.

إبراهيم اليوم يحتضن أمه، يبتسم لمن حوله، يمارس كافة الرياضات، ويستمتع بالتنزه.

إبراهيم اليوم ينطق الحروف وحده، ويقرأ كلمة «الثلاثاء» وحده، إبراهيم اليوم يمارس أفضل حياة صحية وأجملها، يفتقدها الكثير منا.

إبراهيم، رغم ما وصل إليه من قدرات هي لنا عادية، إلا أنها تعتبر من أعظم الإنجازات لشخص عاش في مثل ظروفه.

حكاية إبراهيم تخبرنا فعلاً، أنه ثم أمل يولد من رحم المعاناة.

حكاية هي ليست الوحيدة، فما زال طفل التوحد ينتظر دوره في قوائم المراكز الخاصة المعنية، وما زالت تغلق أمامه أبواب المدارس كافة، وما زال يعتبر طُعماً للاستغلال ولتحقيق مصالح شخصية وغايات مادية بحتة، وما زالت أسرته تتحمل عبئاً مادياً ومعنوياً يثقل كاهلها، لتعيش في دوامة من الحيرة والخوف، بحثاً عن الحل.

«كلنا إبراهيم»، هي تلك الجملة التي نطق بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حين عُرضت عليه الحكاية، لتضحى اليوم عنواناً لـ «تعهد دبي للتوحد»، التي أعلنتها مبادرة «مجتمعي مكان للجميع»، والتي يرتكز دورها على رفع الوعي وتقديم الخدمات لذوي التوحد.

دبي اليوم، تملك إصرار إبراهيم، ومستمرة في التنقيب عن إجابات سلسلة تساؤلات التوحد الغامضة.

Email