(أفضل طريقة للقيام بعمل عظيم هو أن تحب ما تعمل)، هي مقولة قد يراها البعض عادية، تمر مرور الكرام على سامعها أو قارئها دون أن يُلقي لها بالاً واهتماماً، ولكنها قد تصبح ذات قيمة، وتتحول إلى حكمة عظيمة إذا ما نُسِبت إلى ستيف جوبز، ويتخذها البعض مبدأ حياة ليس لقناعته بصحة المقولة والرأي، إنما تبجيلاً لقائلها، (ستيف جوبز)، رجل الأعمال الأميركي الناجح!
مازال تمجيد الأفراد لشهرتهم أو لإنجازاتهم عقدة نقص تغشي قلوب البعض وعقولهم قبل أبصارهم، فنجدهم يعانون من حساسية النقد والمناقشة في محتوى أفكار وآراء من اعتادوا تعظيمه، فيسارعون بإغلاق أبواب الحوار في آرائه والحكم على أفعاله قبل شخصه، بحجة أن «فلان» الذي عُرف بنجاحه وإنجازاته، وأصبح له اسم يذاع صيته، هو من قالها أو قام بها.
لماذا نضع هالة من التقديس على أحد المفكرين أو الأعلام الناجحين في مجال ما، فنأخذ بكل أقواله وأفعاله، ونعتبرها حقائق وقواعد كونية ثابتة، فنحجب عقولنا عن التفكير وتفعيل دورها بإتاحة الخيار لها لتأخذ ما هو صالح وتترك ما تراه طالحاً؟ لتناقش محتواه وتمنحها الثناء أو النقد الذي تستحقه قبل أن تعظم قائلها؟
لماذا نعتبر بعضهم قدوة لنا في كل شيء فنلزم أنفسنا باتباع جميع أفعالهم التي قد لا يناسب بعضها تجارب حياتنا، وتعظيم آرائهم النابعة من فهمهم الذي قد يكون صواباً يحتمل الخطأ؟ أو خطأ يحتمل الصواب؟
لم يكن الدور الفعال الذي قدمه شخص ما في مجال معين وقدراته التي تفرد بها مهما بلغت عظمتها، وآراؤه التي مهما بلغت حكمتها يوماً برهاناً على كماله وصحة كل ما ينطق به، وفي المقابل، لم تكن عدم موافقة عقولنا وتشكيكنا وانتقادنا لرأي أبداه انتقاصاً من احترامنا له لما قدمه أو استصغاراً لإنجازاته، إنما هو احترام لحريتنا ودور عقولنا التي خُلقت لتكون مستقلة بفكرها، وإيماناً بأن النقص صفة فطرية في الطبيعة البشرية، وأن الكمال لن يصل إليه أحد مهما سعى نحوه.
اتخذه قدوتك في صفاته الحميدة التي عرف بها، أو أفعال الخير التي قدمها، أو أدواره الحقيقية التي قام بها لخدمة البشرية، وخذ من آرائه وأقواله وتجاربه ما يناسبك ويوافق عقلك بدلائله، واحذر من تقديسه وتعظيمه حتى تصل إلى مرحلة تعتقد فيها أن عدم موافقتك لمقولته أو فعله كفر وذنب لا يغتفر، وتذكر أنه ليس وحياً منزلاً من السماء، منزهاً عن الخطأ، نعم نحترمه ونحترم دوره وإنجازاته، ولكننا نحترم عقولنا أكثر.
أتساءل يا ترى ماذا لو نُشِرت خبرات الناجحين وأصحاب الإنجازات ومقولاتهم دون ذكر أسمائهم، هل حينها فقط سنُعمل عقولنا للأخذ بما يتوافق مع قناعاتنا ومبادئنا وفِكرنا؟