«هل تعلمين ما المُستَهجنَان في يد الرجل عندنا؟» أخبرني «هو» قبل أن يسترسل أمام فضولي المتزايد: «الكتاب والورد». أحمل كتاباً في المطار أو عند انتظار دوري لدى الطبيب أو الحلاق أو حتى إلى أحد المقاهي أو المطاعم، فلا أسلم من النظرات أو تعليقات الاستغراب التي يبدو بعضها محقاً إلى حدٍّ ما. أعني، هل سبق وأن شاهدتِ إماراتياً في مواقف مشابهة؟
توقفت عند هذه الحقيقة التي اعتنقتها باستسلام دون إعادة للنظر حتى تلك اللحظة. تذكرت العبارة التي بدأت بها كتابة أول رواياتي «النافذة التي أبصرت»: «إن رجلاً يحمل باقة من الأزهار الربيعية البرية أشبه بمن يحمل بستاناً من السعادة بين يديه».
لطالما آمنت أنه لا يمكن لزهرة أن تكون وحيدة، حتى لو قُدمت مُنفردة فإنها تحمل بستاناً كاملاً من الأزهار وعبقاً يلتصق بها من حيث قُطفت وحيث يمكنها أن تزهر جنة في قلب إحداهن.
عُرف العهد الفكتوري بعدم تعبير معاصريه عن أحاسيسهم. ببساطة، لم يكن الأمر لائقاً أن تتحدث عما تشعر به، لذا استعاض الكثيرون وقتها بلغات أخرى أعمق من الكلمات ومنها لغة الورد. يُقال أنها نشأت في الدولة العثمانية، التي عُرف عن حكامها ولعهم الشديد بالزهور وخاصة الخزامى.
تطورت عندها تلك اللغة فكان لحجم الزهرة ولونها ونوعها والأزهار الأخرى المصاحبة لها ووضعية تنسيقها دلالات ومعانٍ يستعيض بها الشخص عن الكلام لإيصال ما يود قوله، كما في اليابان التي تطورت فيها لغة الأزهار لتصبح علماً خاصاً باسم «هاناكوتوبا».
مثلاً، تقول أزهار الكاميليا البيضاء: «أنا أنتظر»، والقرنفل: «أنا معجب»، والنرجس: «أحترمك»، والغاردينيا: «أحبك سراً»، والهيدرنجيا: «فخور بك»، والياسمين للصداقة؛ كما تختلف المعاني باختلاف الألوان؛ فالسوسنة البيضاء (الليلي) تعني الصدق في الحب، بينما تعني البرتقالية الكره والانتقام.
لا أستغرب اتحاد الورد والكتب، الاثنان يشكلان عوالم صامتة عميقة ولغة خاصة، كذلك فعل الكتّاب وأولهم شيكسبير. في مسرحية هاملت تقوم أوفيليا بتوزيع عشبة الروزميري وأزهار البانسي (البنفسج) بعد مقتل والدها على يد هاملت الذي أحبت. ترمز الأعشاب إلى الإخلاص والذكرى، بينما تعني الأزهار الحب الصادق، وبينهما يوضح شيكسبير موقف أوفيليا المُشوش بين حبيبها ووالدها.
إذاً، هل نعود إلى الرجل الإماراتي الذي يُستهجن الكتاب أو باقة الأزهار بين يديه؟ أعتقد أننا بعد عام القراءة سنستهجن العكس. المهم، ما رأي الإماراتيين بهذا الخصوص؟