كوريا بالعربي

في زيارة إلى كوريا، لحضور معرض سيئول الدولي للكتاب قبل أيام من خلال مؤسسة الإمارات للآداب، تعرفت هناك على أسرار خبيئة فيما يعنى باللغة العربية، خاصة بعد أن تخللت زيارتنا إلى جامعة هانكوك المختصة بالدراسات الأجنبية، وجامعة يونج جي، واللقاء بالهيئة الأكاديمية، بحضور طالبات وطلاب الأدب العربي هناك، وكذلك الدراسات العليا، لأرى مدى اهتمام الكوريين بتعلم اللغة العربية أكثر من اللغات الأجنبية الأخرى مثل الأوزبكية والفارسية والهندية والإسبانية والمجرية والماليزية والمنغولية والتايلاندية والفيتنامية.. وهي لغات تُدرس في الجامعة، وعليه كان نقاش الطلاب الكوريين المتخصصين في الأدب العربي عن الثقافة العربية، والتراث العربي والتاريخ العربي تفصيلياً وماهراً.

وفي هذا الإطار تبين لي أن مشروع تعليم اللغة العربية في كوريا من أهم المشاريع الثقافية الأجنبية لدى الكوريين، ليس من أجل تخريج الخبراء ودعم التعاون الثقافي والاقتصادي والصناعي والترجمة فحسب، بل لأن اللغة العربية تشكل لديهم ثقافة واسعة، وأن بلاغتها - برؤيتهم - تشبه الجغرافيا الشعرية بتنوعها، ليصبحوا أكثر إلحاحاً عن ذي قبل في تعلمها، بينما كان حديث الأكاديميين الكوريين باللغة العربية، وعن الترجمة، فعميدة جامعة هانكوك ترجمت أعمالاً وعناوين كثيرة في التراث العربي، مثل البخلاء للجاحظ، والمقامات للهمذاني.. وتحدثت بمحبة عالية عن الأصوات الشعرية في المقامات، وكيفية نقل هذا الحس في الترجمة.

ومن زاوية أخرى، أضاف رئيس قسم الثقافة واللغة العربية، في جامعة يونج جي، أثناء جولتنا معه في مكتبة الجامعة، والتي يحتوي قسم منها على المخطوطات القديمة، وكل ما كُتب عن كوريا، بالإضافة إلى الخرائط والصحف الأجنبية، التي رسمت كوريا قديماً، فقال: «إن تجار المسلمين العرب في العصور الوسطى هم الذين نقلوا اسم كوريا إلى بلاد العرب، وإنه قرأ ذلك في مجلد الطبري، للمؤرخ محمد بن جرير الطبري، وأكمل أن اسم كوريا من أصل غوريو، وهو اسم المنطقة، لكنهم إلى اليوم يتخذون من النطق العربي (كوريا) مُسمى لبلادهم.

المتحدثون الكوريون والطلاب والإعلاميون شبهوا أمامنا اللغة العربية بأنها السماء الأوسع، وأنها تشبه الوطن الأشمل، والوطن لا يقبل القسمة إلا على واحد، ولأنهم مثل بقية الشعوب التي عانت من الاحتلال، وعاشوا الإنسانية المهدورة، وسرقة الآثار في تاريخهم، كما هو معروض في المتحف الكوري الوطني، فإنهم اليوم يتمسكون بأرضهم كجغرافيا إنسانية شاسعة بفضاءاتها، ومؤمنون بأنهم مثل الرياح التي ليست لها أيادٍ، لكنها تهز الأشجار، لينشغلوا بعد الاستعمار بإنشاء المصانع والطب والهندسة والتقنيات والثقافة وتعلم اللغات، وفي مقدمة تلك اللغات شغفوا بلغتنا دون مبالغة، ليتعلموها أكاديمياً، إلى حد يبلغ الكمال.