رسائل الرافعي 2-2

سئل الرافعي عن كُتبِ الأسلوب البليغ وكيف تقرأ؟. فأجاب جواب العارف الخبير الذي درس الأدب درس استيعاب وتحقيق وتدقيق، دراسة من استقصى فنونه، وحفظ غرره وعيونه، ودرر نثره، وبديع مِلَحه، مما مكنه الوقوف على أساليب الفحول والكهوف؛ من شعراء، وكُتاب، فأحاط بمناحيهم، وسبر غور طرائقهم، حتى أصبح صدره هو خزانة أدب، ومتخصص في ارتشاف الضرب من لسان العرب، فسبق الكل في معرفة حفظها، وروايتها، والوقوف على أسرارها.

قال لتلميذه: الإنشاء: لا تكون القوة فيه إلا عن تعب طويل في الدرس وممارسة الكتابة، والتقلب في مناحيها والبصر بأوضاع اللغة،... وهذا العمل لا يتم للإنسان في أقل من (20) سنة. فالكاتب لا يبلغ أن يكون كاتباً حتى يقطع هذا العمر في الدرس وطلب الكتابة.

فإني أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن، ومراجعة الكشاف، وإدمان النظر في صحيح البخاري، ثم قطع النفس في قراءة (كليلة ودمنة، واليتيمة، والأدب الصغير)، ثم رسائل الجاحظ، والبخلاء، ثم (نهج البلاغة)، ثم إطالة النظر في كتاب (الصناعتين)، و(المثل السائر)، ثم الإكثار من مراجعة (أساس البلاغة). فإن نالت يدك مع ذلك كتاب (الأغاني) أو أجزاء منه و(العقد الفريد)، و(تاريخ الطبري)، فقد تمت لك كتب الأسلوب البليغ.

اقرأ القطعة مراراً كثيرة ثم تدبرها، وقلّب تراكيبها، ثم احذف منها عبارة أو كلمة وضع من عندك ما يسد مسدها، ولا يقصر عنها واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترقَّ إلى درجة أخرى، وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها، وبمثل أسلوبها، فإن جاءت قطعتُك ضعيفة فخذ في غيرها ثم غيرها، حتى تأتي قريباً من الأصل أو مثله.

اجعل لك كل يوم درساً أو درسين على هذا النحو، فتقرأ أولاً في كتاب نصف ساعة، ثم تختار قطعة منه فتقرأها حتى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في معارضتها على الوجه الذي تقدم،... ومتى شعرت بتعب فدع القراءة حتى تستجم، ثم ارجع ولا تهمل جانب الفكر والتصور وحسن التخييل.