"شيلوا الميتين اللي هنا"

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأنباء الواردة عن وزارة الداخلية المصرية بنقل الرئيس المخلوع حسني مبارك من مركزه الطبي، المدجج بالحراسة وفواتير النقاهة الباهظة، إلى السجن، ذكرتني بمشهد مضحك جدا من مسرحية ريا وسكينة، حيث عبد المنعم مدبولي يردد: شيلوا الميتين اللي هنا، في إشارة إلى الجثة التي يدور بها رجل أخرس من غرفة إلى غرفة، لكي يستجلب ضحك الجمهور.

حال الإدارة العسكرية لمصر في هذه الأيام، هي حال المعاون الأخرس، الذي لا ينطق بأي معلومات مفيدة تنقل شعب الثورة من الطريق إلى 25 يناير إلى الطريق من 25 يناير. تحتاج مصر فعلا إلى أكثر من مشاهد مسرحية، بطلها رئيس بنظارة سوداء وقليل من الشيب، كلما حدثت مجزرة أو مظاهرة مدسوسة، أو ارتفع صوت الجماهير مطالبا بإحقاق الحق وتطبيق روح الثورة في قوانين وإجراءات حقيقية، لا تمويهية.. كلما جرى ذلك يتم الإعلان عن تحريك مبارك من مكان إلى آخر، من محاكمة إلى أخرى، من محامٍ إلى مدعٍ عام، لامتصاص غضب الجمهور، وتشتيته إلى نكتة مبارك.

الواقع، أن المصري لم تعد تكفيه مشاهد وإجراءات شكلية، طالما العمق يقارب حد المهزلة، وطالما قضايا عادلة من بينها الاقتصاص السريع من قتلة الشهداء، وضمان أمن ملايين الثوار من حملات الانتقام الدموية التي يشنها منتفعو ومريدو النظام السابق، لكي يتم تصوير منجزات الثورة على أنها فوضى كبيرة أدخلت البلاد في نفق معتم، وأن الماضي الذي كان، أفضل مما جرى.. وكان!

والميتون، بحسب المسرحية أيضا، الذين يستحقون الاهتمام، هم الشهداء الذين يجب أن تدخل قوائم أسمائهم في كتب التاريخ، فورا، وتثبت لهم المنصات والأنصبة في المستديرات، وتصنع الأفلام تخليدا لشجاعتهم وتضحياتهم، كما أن الميتين هم الأبرياء الذين يسقطون كل يوم في الملاعب الخضراء وشوارع الانتفاضات، في حملات الانتفاضة والانتقام التي يشنها أزلام وبلطجية النظام السابق!

شيلوا الميتين عن ضمائركم.. ترتاح أرواحهم وتتنفس البلاد!

Email