للعرب تاريخ موغل في الصومال، منذ أن كانت جزءاً من مملكة الحبشة التي آوت المسلمين من اضطهاد مشركي مكة، في عهد بزوغ الإسلام. كما أن الصومال بلد مسجل كدولة عضو في الجامعة العربية، لذلك فهو، تاريخيا وسياسيا، بلد عربي ذو هوية إسلامية. لكن الصومال اليوم، يجسد ساحة نموذجا لخارطة البلدان العربية، التي تطمح القوى الاستعمارية القديمة والجديدة إلى إعادة رسمها وتشكيلها، توافقا مع مصالحها.
في الصومال، اليوم، حكاية مماثلة لحكايات العرب: فرق تريد الحفاظ على الوجه العربي المسلم للبلاد، في مقابل فرق مرتهنة إلى أجندات التغريب التي تحركها الولايات المتحدة الأميركية، كقطع الشطرنج. صومال في الشمال، سليل الاستعمار البريطاني، الذي قطّع جسد الصومال وأهدى منه جزءا لكينيا وآخر لإثيوبيا. وصومال في الجنوب، سليل الاستعمار الإيطالي، الذي لم يترك في البلاد إلا خرابا وفرقة، وعجائز فهموا ذات يوم أن موسوليني الفاشي هو مخلّص الكون. وهناك الصومال الذي لم يعد يحمل اسم الصومال، جيبوتي، ساحة فرنسا وفردوسها.
وبالحديث عن الأرض، فإن القرن الإفريقي الذي نشاهد أطفاله يموتون على قارعة الطريق، ونساءه يحملن أغصانا يابسة، يرتحلن بها مئات الكيلومترات، لكي يبنين خيمة تقي أطفالهن المرضى شر الكوليرا.. يحتوي على مخزونات هائلة من النفط غير المنقب عنه بشكل كامل بعد، إضافة إلى نوع من اليورانيوم يعتبر من الأجود في العالم. كذلك فهذه الأرض محاذية بشكل كبير لطريق النفط البحري العالمي، ولذلك تكتسب أهمية استراتيجية مضاعفة.
في حروبها "الدراكولية" نحو مصادر الطاقة، تسعى القوى الاستعمارية المتحالفة، بقيادة الولايات المتحدة، إلى تكريس تقسيم الصومال، الذي بدأته بريطانيا وفرنسا وإيطاليا نهاية القرن الماضي، وتوزيع المغانم، بأي ثمن: تدخل عسكري تحت ستار العمل الإنساني، كما حصل في التسعينيات، تزكية الخلافات بين المتناحرين، دعم غير مسبوق لإثيوبيا الجارة الطامعة، تعطيل أي دور عربي فعال أو ضعيف في الساحة الصومالية.. وبالتأكيد الإبقاء على منطقة القرن الإفريقي، كما دول أخرى في القارة السمراء، مختبرا لتجريب كل الوصفات الاستعمارية، التي بالإمكان تعميمها فيما بعد على الخارطة العربية الواهنة!