بينك وبين الكتاب

يُعد الكتاب إحدى أهم ركائز الوعي الإنساني وأدواته في بناء المعرفة وتطوير الفكر، وقد حافظ عبر القرون على مكانته بوصفه مصدراً موثوقاً للعلم والثقافة.

وعلى الرغم من التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، يبقى للكتاب دوره المركزي في تشكيل الوعي الفردي والجمعي، وهو ما يؤكده الشعار الذي يحمله معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذا العام:

«بينك وبين الكتاب»؛ شعار يلخص جوهر العلاقة بين الإنسان ومصادر المعرفة، ويعيد تسليط الضوء على قيمة القراءة في زمن تتنازع فيه الوسائط الحديثة على العقل والوقت.

يشكّل معرض الشارقة الدولي للكتاب واحداً من أهم المشاريع الثقافية العربية والعالمية، إذ نجح على مدى سنوات طويلة في ترسيخ حضور ثقافي متميز، وفي بناء منصة تجمع القارئ بالكاتب، والمؤلف بالناشر، والفكرة بجمهورها الحقيقي.

عند دخول المعرض، يلاحظ الزائر حجم التنوع في الإصدارات، وغنى البرامج المصاحبة، واتساع الفضاءات المخصصة للأطفال والشباب، الأمر الذي يعكس رؤية إمارة الشارقة وحرصها على الاستثمار في الإنسان عبر الثقافة والكتاب.

ويتميز المعرض بمنهجيته الشمولية في تقديم المعرفة، حيث يقدّم برامج متوازنة تشمل الندوات الفكرية، الأمسيات الأدبية، حلقات النقاش، والورش المتخصصة التي تستقطب نخبة من المفكرين والكتّاب من داخل الدولة وخارجها.

ويتيح هذا التنوع للزائر فرصة الاطلاع على أحدث الإصدارات العالمية، ومناقشة قضايا ثقافية معاصرة، والتفاعل المباشر مع صناع المحتوى المعرفي.

ولا يغفل المعرض دوره التربوي في دعم شغف الأطفال بالقراءة. فقد أصبحت أجنحة كتب الطفل اليوم جزءاً رئيسياً من الهوية الثقافية للحدث، إذ تمثل بوابة أولى نحو تنمية الخيال وتعزيز مهارات التفكير، وتأسيس علاقة مبكرة مع الكتاب بوصفه رفيقاً أساسياً لا غنى عنه في مسيرة التعلم.

ورغم تعدد الوسائط الرقمية، لا يزال الكتاب الورقي يحتفظ بجاذبيته وخصوصيته. فالتعامل معه يمنح القارئ لحظة تركيز وتواصل مباشر مع النص، بعيداً عن التشتيت الذي تفرضه التكنولوجيا.

ولعل حضور آلاف الزوار سنوياً في معرض الشارقة خير دليل على أن الكتاب الورقي ما زال يملك مكانته الطبيعية في قلب القارئ، وأنه قادر على مواصلة دوره المعرفي مهما تطورت الوسائل الرقمية.

إن شعار المعرض «بينك وبين الكتاب» يعبّر بوضوح عن رسالة المعرض هذا العام: التأكيد على أن العلاقة بين الإنسان والكتاب علاقة حيّة ومتجددة، تقوم على حاجة دائمة إلى التعلم والتأمل وتوسيع آفاق الفكر.

فكل كتاب يُقتنى، وكل مشاركة في ندوة، وكل زيارة لجناح ثقافي، تمثل إضافة حقيقية إلى رصيد الوعي الفردي والمجتمعي. وبذلك، يرسّخ معرض الشارقة الدولي للكتاب مكانته، ليس بوصفه فعالية سنوية فحسب، بل بوصفه مشروعاً حضارياً يؤمن بأن الثقافة هي الطريق الأعمق لبناء الإنسان، وأن الكتاب سيظل - مهما تغيّر الزمن - ركيزة أساسية في تشكيل المستقبل.