بعد سنوات من الحرب والدمار الذي لحق بمدينة الموصل العراقية، برزت مبادرات دولية لإعادة إحياء هذا الإرث الحضاري العريق. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) في طليعة هذه الجهود عبر مشروعها الطموح «إحياء روح الموصل»، الذي انطلق عام 2018 ليعيد الحياة إلى أهم معالم المدينة التاريخية. وفي قلب هذا المشروع، تميز دور دولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت دعماً استثنائياً يعكس مكانتها الريادية في صون التراث الإنساني.
من أبرز المبادرات التي شاركت فيها الإمارات تمويل وإشراف أعمال ترميم جامع النوري الكبير ومئذنته الحدباء الشهيرة، والتي تُعد رمزاً لهوية الموصل وذاكرتها الجمعية. فالجامع الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر تعرض لتدمير شبه كامل، وأضحى ترميمه رمزاً لإحياء الأمل في نفوس الأهالي. وقد تعهدت الإمارات بمبلغ 50.4 مليون دولار لدعم المشروع، في أكبر استثمار فردي في تاريخ اليونيسكو بمجال إعادة الإعمار الثقافي.
لم يقتصر الدور الإماراتي على الجامع، بل امتد ليشمل ترميم كنيستين تاريخيتين هما الكنيسة الطاهرية والكنيسة الكلدانية، بما يعكس رؤية شاملة تعترف بتنوع الموصل الثقافي والديني. هذا التنوع الذي طالما ميّز المدينة صار رسالة أساسية في خطاب الإمارات: إن حماية التراث لا تعني فقط إعادة بناء الحجر، بل أيضاً حماية الذاكرة المشتركة للإنسانية.
ولم تكن هذه المبادرة مجرد مشروع عمراني، بل شكلت فرصة لتشغيل المئات من الشباب والمهندسين والحرفيين المحليين، ما ساعد على تعزيز التنمية الاقتصادية وإعادة الثقة بالمجتمع الموصلي. لقد حرصت الإمارات واليونيسكو على أن يكون المشروع أيضاً مدرسة عملية لنقل الخبرات وبناء القدرات العراقية في مجال الترميم، لتستمر المسيرة بأيدٍ محلية بعد اكتمال الدعم الدولي.
هذا الدور الإماراتي ينسجم مع سياسة الدولة الخارجية القائمة على نشر التسامح وتعزيز الحوار الحضاري. فكما أطلقت الإمارات مبادرات لحماية التراث في اليمن وسوريا، فإنها تؤكد عبر الموصل أنها ترى في حماية الثقافة والهوية الإنسانية ركيزة للاستقرار والسلام. وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حين أكد أن «إعادة بناء الموصل إعادة بناء للحياة والأمل في العراق».