هل سيحل الذكاء الاصطناعي مكان المعلّم؟

مع تسارع التطور التكنولوجي، ودخول الذكاء الاصطناعي إلى مجالات متعددة، يتكرر السؤال: هل يمكن أن تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي مكان المعلم في المستقبل؟ هذا السؤال يُثير نقاشاً واسعاً في الأوساط التعليمية والأكاديمية، خاصة في ظل الإنجازات التي حققها الذكاء الاصطناعي في إنتاج المعرفة، وتقديم الشروحات والتفاعل مع المتعلمين.

من جهة، يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرات هائلة في تحليل المعلومات، وتقديم إجابات فورية، وشرح المفاهيم المعقدة، وتكييف المحتوى وفق مستوى المتعلم.

فمثلاً، يستطيع الطالب أن يطلب من البرنامج شرح نظرية في الرياضيات بلغة مبسطة، أو تلخيص فصل من كتاب، أو تصحيح واجبه الكتابي، وسيحصل على نتائج دقيقة خلال ثوانٍ. هذه الإمكانات تُغني العملية التعليمية، وتُعدّ داعماً للمتعلمين، خاصة في بيئات التعليم الذاتي، أو عند غياب المعلم.

لكن، ورغم هذه القدرات، من الخطأ الاعتقاد أن الذكاء الاصطناعي قادر على «استبدال» المعلم بشكل كامل. فالمعلم ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل هو مربٍ، موجّه، محفّز، ومدير لعملية تعلّمية معقدة، تتجاوز الجانب المعرفي. فالمعلم يبني علاقة إنسانية مع طلابه، يفهم احتياجاتهم النفسية، يعالج مشكلاتهم السلوكية، ويزرع فيهم القيم. وكل هذه الجوانب، ما زال الذكاء الاصطناعي عاجزاً عن تأديتها بكفاءة أو وعي إنساني حقيقي.

والدليل على ذلك، أن تقارير اليونيسكو ومنظمات التربية العالمية، رغم إشادتها بقدرات الذكاء الاصطناعي في التعليم، تؤكد أنه أداة داعمة، وليست بديلاً.

كما أن دراسات حديثة، أظهرت أن اعتماد الطلاب بشكل كامل على أدوات الذكاء الاصطناعي في التعلم الذاتي، يؤدي في بعض الحالات إلى ضعف في المهارات النقدية والتفكير المستقل، إذا لم يكن هناك إشراف تربوي مباشر.

وفي جانب آخر، فإن المعلم يعلّم بالقدوة والسلوك، لا بالكلمات فقط. فحضور المعلم داخل الصف، انفعالاته، طريقته في إدارة النقاش، وصوته الحيّ، كلّها عناصر تُشكّل تجربة تعليمية لا يمكن استنساخها رقمياً، وأما الذكاء الاصطناعي، فرغم تطوره، لا يملك عاطفة حقيقية، ولا قدرة على التفاعل الوجداني العميق مع الطلاب.

يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سوف يكون شريكاً مهماً في مستقبل التعليم، لكنه لن يكون بديلاً كاملاً. حيث يمكن استخدام هذه الأداة الذكية بفعالية، لضمان تعليم أكثر تفاعلاً وعمقاً، دون أن نفقد البعد الإنساني، الذي يشكّل جوهر العملية التربوية.