أكاديمية التاريخ.. سيرة وطن تروى بلغة العصر

من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ولا مستقبل، بهذه الكلمات الخالدة، وضع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، حجر الأساس لفلسفة دولة الإمارات في فهم التاريخ. لم تكن مقولة عابرة، بل كانت وصية حضارية للأجيال القادمة، بأن الأمم العظيمة لا تُبنى إلا على ذاكرة حيّة تعرف من أين أتت، وإلى أين تمضي.

وفي زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التكنولوجيا، وتتشكل الذاكرة الجمعية عبر الشاشات أكثر من الكتب، جاءت مبادرة برنامج صنّاع المحتوى التاريخي كإجابة عصرية على هذا التحوّل.

هذا البرنامج المبتكر تُشرف عليه أكاديمية التاريخ، المؤسسة الجديدة التي تسعى لاحتضان وتأهيل مجموعة من المؤثرين الإماراتيين في مجال التاريخ، بهدف تمكينهم من تحويل السرد التاريخي إلى محتوى مرئي تفاعلي، يحاكي روح العصر ويلامس وجدان الأجيال الجديدة.

إنها خطوة رائدة تمنح التاريخ مكانته الحقيقية، وتجعل من ماضينا مادة نابضة بالحياة، متاحة للجميع، لا حكراً على المختصين أو الأرشيفات المغلقة. فيديوهات قصيرة، وبودكاستات، ومحتوى بصري غنيّ، فذلك يعني أننا نكتب التاريخ من جديد بلغة الحاضر.

هذه الرؤية تتناغم مع فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي يؤمن بأن صناعة المستقبل تبدأ بفهم الماضي، وتوثيقه، وتقديمه للأجيال بلغة يفهمونها ويحبونها. وقد كانت مبادرات سموه دائماً تتجاوز الشكل إلى الجوهر، حيث لا فائدة من مشاريع تنموية كبرى ما لم تكن جذورها راسخة في الأرض التي أنجبتها.

الإمارات لا تعاني نقصاً في القصص، بل في كيفية تقديمها. هنا يأتي دور «صنّاع المحتوى»، الذين يملكون أدوات العصر، من السرد البصري إلى الإخراج الإبداعي، ويعرفون كيف يُحيون الذاكرة الوطنية لتصبح مؤثرة، مُلهمة، وصالحة للنشر والمشاركة والتداول. أما «أكاديمية التاريخ»، فهي الحاضنة التي تُخرج من هؤلاء المؤثرين جيلاً جديداً من رواة الوطن.

أن نرى التاريخ في متناول الجميع لا يعني تسطيحه، بل احترامه وتقديمه بأسلوب يجعل الجميع شريكاً في حفظه وفهمه. إن تحويل التاريخ إلى مادة مرئية، ومنصة للتفكير والنقاش والفخر، هو مشروع وطني يُعيد ربط الأجيال بجذورها، ويمنح المستقبل قاعدة متينة من الوعي والهوية والانتماء.