وباء إعلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ملايين الأطفال العرب هذه الأيام يتعرضون إلى حرب نفسية، غير مسبوقة، وهؤلاء الذين يعيشون بأمن واستقرار، يتأثرون أيضاً، بما يرونه عبر شاشات التلفزة، عن أطفال من عمرهم، في فلسطين والعراق وسوريا وغيرها من دول، يتعرضون للقتل والذبح والتجويع والإذلال واليتم.

لم يعد التدمير النفسي يطال الشعوب المبتلاة، فقط، إذ بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، وشاشات التلفزة، امتد هذا البلاء النفسي إلى البيوت الآمنة، ولعلنا بحاجة إلى رأي خبراء النفس في آثار هذا الضخ الإعلامي لملايين الصور الفوتوغرافية والتلفزيونية، على نفسيات الأطفال حصراً.

هل يتم زرع الذعر والخوف والجبن في نفوس الأطفال، بحيث يتحولون عندما يكبرون إلى مجرد ذكور منزوعي الرجولة مثلاً، أم أن هذا الضخ الإعلامي يزرع فيهم ميلاً للغضب والانتقام ؟!

إذا كان الإنسان العربي البالغ يتأثر بقوة أمام هذه المشاهد المتولدة من الحروب والاحتلالات والصراعات، فماذا نقول عن الأطفال العرب في كل مكان، وهم على مشارف البلوغ، ربما، وبينهم وبين آثار الصورة المنطبعة في أذهانهم، فاصل زمني قصير، لن يؤدي إلى محو آثار هذه الصور.

لا يمكن هنا، إخفاء الحقائق إعلامياً، بحيث يتم التلاعب بالصورة، أو الحقيقة، خوفاً على وجدان البيوت الآمنة، ولا يمكن إلى حد كبير حجب الأطفال عن التأثر بهذه الصور، لأن قنوات تدفقها متوفرة بين أيديهم، فما الذي يمكن فعله هنا، بحيث لا يتم إلحاق الضرر بهؤلاء، وبحيث لا يتم إلحاقهم فعلياً بالشعوب الذبيحة؟!.

ثم هل المطلوب شبكهم بوجدان أمتهم، أم التخفيف نسبياً عنهم، حتى لا يفقدوا طفولتهم وحياتهم، والأسئلة هنا كثيرة؟!

يقال هذا الكلام حتى ننبه إلى أن ما تتعرض له شعوب عربية كاملة، ليس حكراً عليهم، بل تمتد آثاره عبر الإعلام إلى كل عربي آمن، عاش في العالم العربي أو المهاجر، وهكذا يصير البلاء مشتركاً، والأثر متشابهاً، وخطراً جداً، وبحيث نصرخ اليوم لنقول، إن كلف هذا الخراب تمتد مثل وباء إلى كل مكان.

علينا أن نسأل عن أطفال اليوم تحديداً، وعما سيكونون عليه بعد عشرة أعوام من اليوم، إذ إننا أمام جيل قادم، تتعرض شخصيته لتأثيرات عاصفة.

Email