تشظية سياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتفكك البينة الاجتماعية السياسية في أغلب الدول العربية، وخصوصاً، تلك الدول المبتلاة بالصراعات، وبعد أن كانت الهوية الوطنية عنواناً لمواطني هذه الدول، تشظت هذه الهوية، وتطايرت مكوناتها على أساس ديني ومذهبي وطائفي وعرقي.

هذا التشظي المتسارع أدى إلى تقسيم وجداني، قبل التقسيم الجغرافي، وتسود الكراهية اليوم، بين مكونات دول كثيرة، مثل العراق وسوريا، بشكل لا يمكن معه إعادة بناء الهوية الوطنية بهذه البساطة التي يظنها كثيرون في هذه الدول، خصوصاً أن الثأر كامن تحت الرماد، حتى لو توقفت هذه الصراعات.

وحدها مصر نجت من تشظية الهوية الوطنية على أساس طائفي أو ديني، فالهوية المصرية وطنياً، متماسكة إلى درجة كبيرة جداً، وبرغم الأحداث التي مرت فيها مصر، والضغط على هويتها الوطنية، إلا أنها نجت من التقسيم الداخلي، وبقيت هوية أهلها مرتبطة بما تعنيه مصر تاريخياً، ولعل الأنموذج المصري، الوحيد الذي يستحق الدراسة بين نماذج تعرضت إلى ظروف صعبة، خلال السنين الأخيرة، فقد أثبتت صلابتها برغم كل الضغوط، التي نالت منها.

مصيبة تشظية الهوية الوطنية، أنها تمهد اليوم، لإعادة ترسيم المنطقة جغرافياً، على أساس ديني ومذهبي وطائفي، فالكراهية باتت فوق كل بيت، للأسف الشديد، وإذا تأملنا نماذج مثل العراق وسوريا، لاكتشفنا أن كل بلد تشظى إلى هويات عدة، ومازالت هذه الهويات الفرعية تتراشق بالكلام والاتهامات، والشكوك تسيطر على الأجواء، دون أن يتمكن أحد من خفض منسوبها، كما أن النخب السياسية، تواصل إشعال نار الكراهية من أجل غاياتها الشخصية، فلا نجد نخباً تسعى لإطفاء الفروقات بين أبناء بلد واحد، وهي فروقات تم تصنيعها في المختبرات.

العالم العربي اليوم، مهدد بالتقسيم وإعادة الترسيم، وعلى ما يبدو فإن أهل المنطقة ذاتهم، وخصوصاً، الدول التي تعصف بها الصراعات، لا يجدون حلاً لمواجهاتهم سوى فصل المكونات عن بعضها البعض، وإذا كان أهل هذه البلد أو تلك لا يجدون سوى هذا الدواء المر، فلماذا نلوم العواصم، التي تستثمر في هدم المنطقة، وتقسيم كياناتها القائمة فيها، وهذا هو السؤال الأصعب.

Email