ما بعد الحرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

علينا منذ اليوم، أن نجد خبراء لديهم القدرة على قراءة العالم العربي، على صعيد بنيته الاجتماعية والوجدانية، في حال توقفت شلالات الدم في كل مكان.

لا أحد، على الأغلب، يتحدث عن البنية الوجدانية التي تشظت، فالكل مشغول في تعداد القتلى والجرحى، وخسائر الاقتصاد في عدة دول عربية، جراء الفوضى الدموية، ولا أحد يحدثك عن الكراهية التي تم توليدها وستبقى مقيمة لعقود.

الخسائر الاقتصادية، قد يتم تعويضها، لكنك تسأل عن منسوب الكراهية، وكيف سيتم خفضه في المجتمعات عندما يتوقف القتال، إذ قد لا يبدو ممكناً التسامح، خصوصاً، في العالم العربي، وعلى الأغلب، ستبقى الأحقاد مشتعلة، حتى لو توقفت الفوضى والمذابح والحروب، على أساس ديني ومذهبي وطائفي.

إعادة ترميم البنية الوجدانية أمر مهم جداً، وكما أشرت، فقد يمكن إعادة بناء عمارة تم هدمها، أو تشغيل مطار أو مصنع، أو تعبيد شارع، لكن كيف يمكن إقناع الناس أن يتخلوا عن الكراهية التي تم توليدها على خلفية الصراعات، بعد أن تشظت الهوية الجمعية إلى هويات فرعية ومتناثرة ومتصادمة.

الغرب يطرح حلاً أسوأ من المشكلة، والحل هنا، التقسيم على أساس الهويات الفرعية، لتحاشي الصدام بينها، وهذا حل سيئ جداً، يقر شكلاً بنتائج التشظي، ويعتبر أن «الكراهية» لا مفر منها، كنتيجة مستقرة في الوجدان العربي.

برغم ذلك، من حقنا أن نسأل عما يمكن فعله لتحاشي هكذا نتيجة، فالتقسيم المعنوي والوجداني والاجتماعي، تحقق قبل التقسيم الجغرافي، وإذا كان هذا توطئة لذاك، أو الثاني نتيجة لا مفر منها، فنحن أمام كارثة كبيرة.

لا بد منذ اليوم، أن نعرف أن الحروب سوف تتوقف في نهاية المطاف، بين الجميع، فلا حرب تدوم ألف عام، لكننا لا نضع خطة، ولا نعرف حلاً لمحو آثار الدم والكراهية بين مكونات المنطقة، فقد اشتعل الرماد ناراً، ولا أحد يعرف الكيفية التي يمكن عبرها نزع الغل من الصدور، في ظل الاتهامات والتراشقات، والأحقاد الكامنة جراء هذه الفوضى التي عبرت العالم العربي، مثل إعصار لا يرحم.

Email