ليبيا والحل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليبيا كما اتضح أخيراً، مجتمع محافظ، قائم على شروط المرجعيات القبلية. والمنطلقات الحقيقية للحرب هناك إنما هي قبلية مبعثها الدفاع عن حقوق تقليدية ضد محاولات التغول عليها من جانب آخرين باسم سيادة الدولة أو الثورة. وهنا ظهرت الفراغات التي تمددت فيها الجماعات الإرهابية كما تفعل دائماً في كل مكان تسيطر عليه الفوضى.

وفي الحقيقة فإن انبعاث مؤسسة القبيلة وحضورها الوظيفي ليس عيباً حتى يتم تمويهه بواجهات مصطنعة، فكثير من الدول العربية تعيش هذا الواقع، كالعراق واليمن، إذ لا تزال للعشيرة دور فعال في حياة الناس، وبرغبة منهم، بل وبفخر واعتزاز، ولكن أين المشكلة؟

المشكلة تبدأ فقط حينما تتجاوز الاثنية حدودها وتتغول على حقوق الأخرى، أو أن تختار العيش في القرون الوسطى متمردة على أسس الدولة والقانون والعيش المشترك مع القبائل المجاورة باحترام وسلام.

قبائل ليبيا الكبرى لا تقل عن اثنتي عشرة، تنقسم إلى ثلاث مجموعات اثنية هي القبائل العربية، ونشير من بينها القذاذفة وبني وليد ورفالة ومصراتة وبني صقر وعبيدات، والقبائل الأمازيغية وأهمها الطوارق والبربر والإثنية الثالثة تشكلها قبائل توبو والفزانية وبين أولئك وهؤلاء يعيش وسط البلاد خليط من السكان الذين لا يدينون بالولاء إلى المرجعيات القبلية الأخرى. تلك هي ليبيا التي حاول ساستها أن يقسموا البلاد إلى ثلاث ولايات كبرى هي: طرابلس وبرقة وفزان..

ولكن الوضع الآن مختلف، لأن أساس الانقسام، وليس التقسيم، بات عشائرياً محضاً. يبدو أن قادة ليبيا المستنيرين أصبحوا أمام خيارين، مادام التواضع على العيش المشترك بات متعذراً، فإما استخدام القوة والتجرد التام من الانحياز القبلي إعلاءً لنموذج الدولة المعاصرة التي يقف الجميع من قوانينها على مسافة واحدة، على نحو ما يحاول اللواء حفتر أن يفعل الآن، أو الخضوع للأمر الواقع وقبول مبدأ تقسيم الدولة فيدرالياً، ولكن على أسس تأخذ الإثنيات في الاعتبار..

وأن يتم تقسيم السلطة والثروة أيضا على الأساس نفسه، لنكون بصدد نموذج يقع بين منزلتي الفيدرالية والكونفدرالية بما يمنح زعامات القبائل سلطات أوسع، وذلك ريثما يتطور المجتمع هناك بصورة طبيعية وسلمية لصالح الطابع المدني الحديث.

Email