روسيا والفريسة اليونانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى البعض في الغرب أن روسيا تنتظر تفاقم الخلافات بين اليونان والاتحاد الأوروبي كما ينتظر الأسد فريسته المستسلمة، ولا تخشى واشنطن من تفاقم الأزمة اليونانية سوى أن تذهب اليونان، العضو في حلف الناتو، إلى روسيا، خاصة وأن المزاج العام في الشارع اليوناني.

وأيضاً في السلطة الحاكمة حالياً في أثينا يتجه نحو موسكو، وليس أدل على ذلك من نتائج الاستفتاء الأخير الذي أعلنت فيه غالبية الشعب اليوناني رفضها الإملاءات الأوروبية وسياسات التقشف والجوع التي يريد الدائنون فرضها عليه.

اليونان لا تعتبر نفسها فريسة لروسيا، كما يتصور البعض، بل هي في الواقع فريسة للقارة الأوروبية العجوز التي استمدت ثقافتها وفلسفتها ونظرياتها الاجتماعية والسياسية من الحضارة اليونانية القديمة، وبنت اقتصاداتها من نهب ثروات الشعوب الأخرى، والآن ترفض مساعدة اليونان في أزمتها وتطلب من شعبها أن يجوع بينما جيرانه الأوروبيون يرفلون في الرفاهية.

روسيا لا تنظر لليونان كفريسة، ولا تتمنى لها الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل تريدها صديقة داخل الاتحاد الأوروبي، وحتى داخل حلف الناتو، فالصديق داخل جبهة الأعداء أفضل وأكثر فائدة منه وهو مطرود منها.

الشعب اليوناني يكن كل احترام وتقدير لروسيا، ولا ينسى لها أبداً مساعدتها له في الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية عام 1821، كما أن اليونانيين يلاقون نوعاً من الاحتقار والسخرية والمعاملة غير الطيبة من قبل معظم الأوروبيين، بينما تتعامل معهم روسيا بكل الاحترام والتقدير.

الشعب اليوناني، الذي يفتخر بماضيه وتاريخه العريق، يشعر بالضعف والمهانة وسط الأوروبيين، ورغم أن اليونان من أقدم الدول الأعضاء في حلف الناتو إلا أنها لم تشعر يوماً بالاطمئنان الأمني من جارتها تركيا العضو أيضاً في الناتو، الأمر الذي دعا أثينا إلى سحب قواتها من الناتو من 1974 حتى 1982، اليونان تشعر بأنها الأدنى دائماً، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في الناتو، وربما لهذا يؤيد اليونانيون الحكومة الحالية التي تسعى للتقارب مع روسيا، ولا شك أن ابتعاد اليونان عن أوروبا وتقاربها مع روسيا سيشكل ضربة قوية لحلف الناتو قد تعوق مخططاته التوسعية في شرق أوروبا.

Email