موسكو وواشنطن والحصار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في زمن الصراع بين القطبين، كان واضحا أن واشنطن هي التي تفرض حصارا دوليا على الاتحاد السوفييتي، وكان واضحا محاولات موسكو الخروج من هذا الحصار، حتى في الجهة الشرقية الشيوعية استطاعت واشنطن أن تحد من التقارب بين الصين والاتحاد السوفييتي بعد سياسة الاحتواء التي وضعها هنري كيسنغر في منتصف السبعينات، والتي نجحت في عزل الصين عن المجال السوفييتي.

الآن يبدو أن نفس اللعبة تدار بين القوتين، ولكن مع تغيير في المواقع، حيث من الواضح التقارب المتزايد بين روسيا والصين، وانجذاب دول آسيوية كبيرة لموسكو، مثل الهند وباكستان وإيران وتركيا وغيرها..

وتهافت الكثير من دول أميركا الجنوبية على التقارب مع روسيا، والأخطر من ذلك الذي يجعل الولايات المتحدة تشتاط غضبا وتوترا، هو تزايد التقارب بين روسيا والدول الأوروبية، الكبيرة منها والصغيرة، بحيث باتت دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان ترفض الانجرار خلف واشنطن في سياستها العدائية ضد موسكو، ودول أخرى صغيرة هرولت سابقاً نحو واشنطن والغرب، والآن أفاقت لمصالحها وعادت للتقارب مع روسيا من أجل مصالح شعوبها، ومثال على ذلك تشيكيا وسلوفينيا والمجر وغيرهم.

لقد كشفت الأزمة في أوكرانيا عن مدى ضعف السياسة الخارجية الأميركية وتراجع ثقة الآخرين فيها، وعن مدى مصداقية سياسة موسكو وتزايد ثقة الآخرين فيها، وبات الأوروبيون يستشعرون مدى خطورة البراجماتية الأميركية التي من الممكن أن تصل إلى حد إشعال حرب ضارية في القارة الأوروبية، خاصة مع سعي واشنطن الدؤوب لتصعيد الأزمة الأوكرانية وإمداد كييف بالسلاح، في الوقت الذي يقود فيه الأوروبيون مع موسكو عملية التسوية الدبلوماسية.

سابقاً لم يكن هناك خوف من الحصار الأميركي للاتحاد السوفييتي المسالم الذي لا يسعى لإشعال الحروب ولا لفرض الهيمنة والنفوذ، أما الآن فالأمر يختلف مع استشعار أميركا بالحصار، وهي الوحش الضاري الذي لا يعرف سوى لغة الحروب والدمار، ولهذا فمن المتوقع أن يشهد العالم في السنوات القادمة مزيداً من الحروب والصراعات الضارية، ليس فقط في الشرق الأوسط بل وفي القارة الأوروبية نفسها.

Email