حرب باردة وحروب ساخنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ زمن الصراع بين القطبين السوفييتي والأميركي في القرن الماضي، وحتى الآن، والحرب الباردة قائمة بين موسكو وواشنطن، لم تغب عن الساحة، لكن هذه الحرب الباردة لم تحول دون اشتعال العديد من الحروب الساخنة بين أطراف أخرى في أنحاء مختلفة في العالم.

وكانت موسكو وواشنطن طرفين غير مباشرين في معظم هذه الحروب، لكن ما كان يفرق بينهما بوضوح، أن واشنطن كانت دائماً داعية حرب، وموسكو كانت دائماً داعية سلام وحوار بين الأطراف، ولمن يتصور أننا نبالغ.

فليتابع الحروب التي اشتعلت في العالم على مدى نصف قرن مضى، ولا يتسع مجالنا هنا لمتابعتها، لكننا لو تابعنا فقط منذ مطلع الألفية الجديدة، التي بدأتها واشنطن بحربها العالمية الشهيرة على الإرهاب، بعد أحداث 11 سبتمبر «المشكوك فيها»، سنجد أن روسيا رفضت تماماً حملتها العسكرية على أفغانستان والعراق.

وحذرت مراراً وتكراراً، من أن النهج العسكري الأميركي لن يجلب سوى الخراب والدمار وملايين من الضحايا واللاجئين، وعندما اشتعلت أزمة البرنامج النووي الإيراني منذ خمسة أعوام مضت، وهددت واشنطن بالحرب على إيران، وحركت بوارجها في الخليج، دعت روسيا الأطراف لضبط النفس والحوار لتفادي حرب مدمرة للمنطقة، ونجحت مساعي روسيا التي أثمرت اتفاق لوزان الأخير.

ومع أحداث «الربيع العربي»، ذهبت واشنطن تقود حلف الناتو في تدمير ليبيا، ولم تستجب لدعوات موسكو بعدم التدخل العسكري، وذهبت في سوريا تهدد وتتوعد، لكن روسيا لم تعطها الفرصة للتدخل المباشر، وامتصت غضبتها أثناء أزمة السلاح الكيماوي السوري، وفي أوكرانيا، تبذل روسيا مساعيها لحل الأزمة سلمياً بالحوار، ويدعمها في ذلك الأوروبيون، لكن واشنطن مصممة على استمرار الحرب.

ما زالت موسكو مستمرة في ممارسة دور «رجل الإطفاء» للحرائق التي تشعلها واشنطن، ولم يحدث أن تدخلت روسيا عسكرياً سوى مرة واحدة في أغسطس عام 2008، لرد العدوان الجورجي، المدعوم من واشنطن، على أوسيتيا الجنوبية، ولم تدمر الحملة العسكرية الروسية على جورجيا بيتاً أو مبنى، ولم تقتل فرداً واحداً، وانسحبت بعد خمسة أيام بعد تحقيق أهدافها في ردع المعتدي

. وما زالت واشنطن تشعل الحروب وروسيا تطفئها، ورغم هذا، نسمع بين حين وآخر اتهامات من هنا وهناك لروسيا، بأنها تدعم العدوان والحروب، بينما يرى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، أن «لولا روسيا لكان العالم لا يطاق».

 

Email