عروس شامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت العروس في الأردن تنتظر نهاية الأسبوع، لتسافر براً مع عائلتها إلى دمشق، لشراء ملابسها، تلك الملابس التي يقدّمها كما العادة، كل عريس إلى عروسه، وهي عادة شائعة ومعها فخر أنها ذهبت إلى الشام لشراء ملابسها، وربما فستان زفافها ايضاً، لأن في الشام نكهة للحياة، تختلف عن كل الدنيا.

العروس تجول في أسواق دمشق القديمة، وتتذوق الحلوى، وتبدأ حياتها عبر الشام، أردنية كانت أم فلسطينية لم لبنانية، وكأنها تستدعي هنا جذور شاميتها الأولى، حين كانت كل هذه المنطقة، شام كبيرة، أو هلال خصيب واحد، وخراب سوريا افسد فرحة آلاف العرائس ممن كن ينتظرن موعد الشام..

فالقصة ليست فقط، الشهداء والجرحى، البراميل المتفجرة والقناصة، ليست قصة حلب وشغيلتها فقط، ليست قصة البضاعة الأقل سعراً والأكثر جودة، وهي أيضاً ليست قصة الأمهات والجند واللاجئين في هذه الدنيا وحسب.

من طوق الشام، عشرات الآلاف، كانوا يتدفقون كل نهاية أسبوع، في سفرهم القصير إلى الشام، لكل واحد حكاية في سوق الحميدية أو عند ضريح صلاح الدين الأيوبي في فندق زهيد السعر، ويعودون، ويبقى عسل الشام تحت ألسنتهم، إذ فيها سر للعشاق، سر المتصوفة والذاكرين، سر الأمهات وطعامهن المعد بأنفاس زكية..

وقد بصمت على قلوب الناس!. لم تعد العروس شامية هذه الأيام، باتت عروس مثلها مثل غيرها، وفرق كبير في ذاكرة الناس، بين أن تكون العروس شامية وان تكون العروس عادية، وقد كنا نسمي العروس التي تسافر إلى سوريا لشراء ملابسها بالعروس الشامية، ولو لم تكن مدللة لما أرسلها عريسها إلى الشام.

بعضنا يبكي على الشام لأن فيها صلاح الدين، وبعضنا يبكيها لأنها تستسقي الدم، وآخرون يبكونها لأنها بهية، والظلم فوق مآذنها وأجراس كنائسها، وآخرون يبكونها لأن فيها بيوتهم، وبعضنا يفلسف محنتها ويقول إنها تتطهر كما الفضة من سوادها،عبر الصهر، من ذنوبها ومفاسدها.

وراء هذه الصور، صورة عاطفية، عشرات آلاف العرائس في المشرق الذبيح، يبكين، لأنهن حرمن من فرصة التسوق في الشام قبل الزواج، فتزف الواحدة منهن اليوم، دون أن تكون شامية، فقد هجر الفرح كل الشام والمدن التي حولها وحواليها.

رد الله الشام من غربتها.

Email