عاصفة في الأردن

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت في عمان، حين تم الإعلان عن جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، والجريمة تسببت بعاصفة غضب في الأردن.

الذين كان يلتبس عليهم الأمر، ويتعاطفون سراً مع «داعش»، انقلبوا أمام الجريمة، وتوارى هؤلاء في الظلال، أمام القباحة، التي لا يمكن أن ينفذها بشر أساساً، وهذا يفسر أن الأردنيين في قراهم وبواديهم ومدنهم ومخيماتهم..

ومن شتى أصولهم ومنابتهم وقفوا على قلب رجل واحد ضد الجريمة، وكأنها الروح الجمعية التي استفاقت بقوة أمام الجريمة، حتى كان طبيعياً أن تخلو شوارع الأردن من السيارات مساء، وأن تلغى حفلات زواج، وأن ينفض الناس عن مسامراتهم، فقد ضربت الجريمة عصبهم، وتسببت بموجة غضب بالغة، جراء الإعدام، وشكل الإعدام.

لو لم يقتل «داعش» الطيار، وبادله، أو أعاده للأردن، لربما ارتفعت أسهمه، غير أن الجريمة أضرت به ضرراً شديداً، يفوق كل الحملات الإعلامية والسياسية ضده، وكأنهم هنا خسروا كل شيء، خصوصا لدى أولئك المضللين بالشعار وجاذبيته.

عاصفة الغضب التي هبت على الأردن، كشفت شيئا آخر، فالأردني قد يكون فقيرا، لكنه بالتأكيد يتصف بالاعتداد بالنفس تاريخيا، وهذه سمة عامة، والجريمة حاولت كسر هذا الاعتداد وهذه الشخصية..

فيما جاء الرد الأردني عسكرياً، ليرفع الروح المعنوية للناس، ويقول لهم إن كرامتهم فوق كل شيء، والدولة والشعب في مشهد فريد لا صناعة فيه، توحدوا في مشهد تحتاج دول أخرى إلى عقود لصناعته، كل هؤلاء، كان صوتهم واحداً لأجل الطيار، وكأنه ابن كل واحد فيهم.

أغلبية الناس، باتت تعرف أن الأردن بات أمام حربين، مضطرا، وليس بحثا عن الحروب، حرب في الداخل الأردني ضد التطرف وتنظيماته، وحرب ممتدة إلى غرب العراق وجنوب سوريا، وهذا يعني أن الأردن يدخل مرحلة حساسة للغاية، نرى سماتها في ترقب الناس، للمرحلة المقبلة..

فيما لاتزال عمان الرسمية، تؤمن أن «داعش» لا يمكنه استدراج الأردن إلى رماله، بقدر أن عمان ستحدد ؤدارة المشهد من كل زواياه. ما وراء الألم مشهد عظيم، فكل الأردنيين،..

وبكل تنوعات اتجاهاتهم ومنابتهم الاجتماعية، وضعوا كل اختلافاتهم اليومية جانباً، وخلافاتهم بعيداً أمام المشهد، والروح الجمعية في ظل تشظي الدول والشعوب تقول إن التشظي ليس قدراً، فمن الممكن هنا أن يحدث العكس، كما في الحالة الأردنية بعد حادثة الطيار.

Email