حكاية من نيويورك

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تستحكم بي عقدة الغرب ولا الآخر، صديقاً كان أو عدواً، غير ان كل الإخفاقات العربية، عميقة، ولم تتأسس الا على هشاشة متوارثة، مقابل أمم يشتغل عقلها المركزي بفاعلية.

ذات مرة في نيويورك، وداخل مجلس الأمن، والجلسة مخصصة لملف سوريا وفلسطين، كان لافتاً لي ونحن نحضر الجلسة، ان يلقي مندوب إسرائيل كلمة مصاغة بطريقة مختلفة، وتكلم يومها عن الاقتتال الديني والمذهبي والطائفي والتطرف في المنطقة، واكتشفت لاحقا ان خبراء وشركات علاقات اسهموا في صياغتها، والغاية تشويه سمعة المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيون، ومقابلها جاءت كلمة مندوب فلسطين، الشهير بذرف الدموع، ضعيفة، لا تؤثر، وكأنها مكتوبة فقط للعرب، ولا تراعي اصلا، عوامل كثيرة، فيتبدى الفرق، وكأننا لا نستفيد ابداً من اي موقع ومكان، وفي ذات الجلسة كان مندوب دمشق الرسمية بشار الجعفري، يجلس متشاغلا بهاتفه الخلوي، والرجل في شرفة المتابعين داخل الجلسة، محاط بسبعة اشخاص، من الرجال والنساء، كلهم يستمعون للجلسة، ويقتربون منه بشدة، ويحيطونه كما السوار في المعصم، وهو يظنهم مجرد متابعين عاديين، واذ غادر الجعفري الجلسة لسبب ما.

كان مثيراً لي ان اكتشف بعيني ان كل الذين كانوا يجلسون حواليه، دون ان يعرف هويتهم، هم من بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة، اذ عادوا فرادى إلى حيث يجلس سفير إسرائيل في الامم المتحدة، وبعضهم تلقى اشارة بطرف يد السفير الإسرائيلي فتحرك من موقعه نحو مكان السفير، وهذا يعني ان هؤلاء يراقبون مندوب سوريا، ويحصون عليه انفاسه ولغة جسده، والجعفري مثل اي عربي، لا يرقب بعمق ما يجري حواليه، والاستخلاص، ان العرب يديرون قضاياهم بشكل سطحي، والإسرائيليون هنا، لا يأتون إلى مجلس الامن، لإلقاء الكلمات فقط، بل ان هناك مهمات اخرى، تتخفى وراء دبلوماسيتهم.

في تلك الجلسة وعلى هامش ايام في نيويورك، تعرف ان اغلب البعثات العربية، في الأمم المتحدة، غير مؤثرة، كوادرها قليلة، غير مؤهلين بعمق، التعيين يأتي من باب التكريم والوجاهة، والامكانات المالية قليلة، مقابل بعثات أخرى ذات عدد كبير، ويتسم من فيها بالاختصاص، ويعرفون فوق ذلك لماذا تم تعيينهم في نيويورك، ولماذا يشغلون مواقعهم.ما نعانيه كعرب، ليس ظلماً تنزل دونما سبب، لأن الفرق كبير، بين من يشتغل ويخلص لقضيته، وبين من يشبعك كلاماً، لا يتم صرفه الا في اسواق العملات البائدة!.

 

 

Email