إطالة لسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقرأ دوماً «المفردة السياسية» التي تستعدي العالم وتصنفه إلى نوعين: صديق وعدو، والمفارقة هنا أن التصنيف سهل، والواقع مختلف تماماً.

في العلاقة مع الغرب، ومع بقية دول العالم، لا يمكن بلورة الموقف من العالم، على أساس الذاكرة فقط، أو التموضع السياسي، وأين تقف هذه الدول من صراعات المنطقة، لأن الخطاب العدائي الذي يبثه أفراد وجماعات، وتتبناه بعض الدول، خطاب لا يصمد أمام العلاقات الدولية من جهة، وحاجة الدول والشعوب بعضها إلى بعض!

الإرث الأكثر شتماً للغرب والشرق لدينا في العالم العربي، وهو إرث أسِّس على مواقف سياسية أو وطنية، وفي حالات رداً على الاحتلالات التي عبرت المنطقة، والنظرة العدائية إلى هذا العالم لا تقف عند الغرب، بل تمتد إلى الشرق حيث روسيا، وربما بعد قليل إلى الصين والهند، وبقية دول المشرق البعيد، ولكل موقف سبب.

لكننا نجد في المقابل أن استعداء العالم بكل هذا الخطاب الذي يتبناه كثيرون، لا ينتج سوى الكراهية، ولا ينهي في الوقت ذاته حالة الاتكال على العالم، وحاجة العرب إلى كل دول العالم، ولو كان هذا الخطاب منتجاً لقبلنا لحظتها روح الاستعداء، لكنه خطاب في الأغلب عدمي وغرائزي، ولا يفهم تعقيدات العلاقات في العالم.

هي ليست دعوة للانصياع، لكنها دعوة لتقدير الإمكانات من جهة، ومساحات الآخرين من جهة أخرى الذي يتمنون – مثلاً - لأميركا أن تنهار وتغرق، وأن تختفي عن وجه الأرض، لا يقولون لك من هم ورثتها.

وهم هنا الصين أو روسيا أو أي طرف آخر، وبالضرورة ليس العرب هم ورثة عرش واشنطن في نهاية المطاف! لا يمكن هنا لصاحب الخطاب الذي يستعدي الآخرين ولا يفهم القواعد، أن يكون بنطاله صينياً، ودواؤه بريطانياً، وسيارته يابانية، وجهاز الخلوي بحوزته أميركياً، وطعامه دنماركياً.

وأنبوب الماء في منزله روسياً، ثم يطيل لسانه على الأمم ويحتقرها لأي سبب، معتقداً أن هذه الأمم خلقت لتخدمه، وأنها نجسة ويجب التعامل معها بحدود.

في ثنايا الكلام، لا روح تغريب ولا تشريق أبداً، لكننا نقول إن الحسبة السياسية لدى البعض يجب أن تعاد دون غرائزية، ولو قررنا إدارة ظهرنا للعالم كلياً، لعاد العرب ألف عام إلى الوراء..

وما يمكن فعله، حصرياً، أن تعبّر عن موقفك وتحمي مساحتك وأمتك، وتتذكر أن أمامك أمماً أخرى ذات نفوذ ولها مصالحها، ولا تمكن مناطحتها بهذه البساطة التي يتصورها البعض، من حيث المبدأ أو من حيث التوقيت. غير ذلك، تكون كل القصة إطالة لسان، لا يتذكرها حتى المؤرخون.

Email