هدية بوتين لتركيا والمقابل

ت + ت - الحجم الطبيعي

زيارة بوتين الأسبوع الماضي لتركيا كانت أهم حدث على الساحة الدولية، ومن المعروف أن البلدين كانا ومازالا على خلاف كبير في القضايا السياسية الدولية، وهذا أمر تاريخي منذ الحقبة العثمانية وحروب القرم التركية ضد القيصرية الروسية، مروراً بالحقبة السوفييتية وعضوية تركيا في حلف الناتو المعادي، ووصولاً لما بعد الانهيار السوفييتي ودعم تركيا العلني للمتمردين في الشيشان وشمال القوقاز..

والآن المواقف المتضادة بينهما من الأزمات في سوريا وأوكرانيا ومصر، والغريب أن كل هذه الخلافات لم تحل دون نمو وتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير، خاصة في مجالات الطاقة والسياحة والاستثمارات، وتعد تركيا ثاني أكبر مستورد للغاز الروسي بعد ألمانيا، والذي يشكل 60% من وارداتها، ولا يكفيها، وتطمع في المزيد من روسيا، وهذه هي الورقة التي ذهب بها بوتين إلى تركيا واستقبل هناك بحفاوة بالغة.

بسبب الأزمة الأوكرانية ضغطت واشنطن على الأوروبيين لوقف مشروع خط «التيار الجنوبي» لنقل الغاز الروسي إلى إيطاليا والمجر والنمسا وغيرها، ورغم رفض هذه الدول للضغوط إلا أن بلغاريا أعلنت رفضها مرور الخط من أراضيها، الأمر الذي أعلن معه الرئيس بوتين في أنقرة إيقاف المشروع وتحويل الغاز إلى «الخط الأزرق» المتجه إلى تركيا مع توسعته لاستيعاب كميات أكبر تكفي تركيا وتسمح بالتصدير عبرها لدول أخرى، وأكثر من ذلك أعلن بوتين عن تخفيض أسعار الغاز لتركيا بنسبة 6% قابلة للزيادة فيما بعد.

صفقة تاريخية أسعدت الأتراك بشكل كبير، ليس فقط لحصولهم على حاجتهم من الغاز، ولكن لأن بوتين أهدى تركيا مفتاح الغاز إلى أوروبا، والذي كان لدى أوكرانيا لوقت قريب، وبعد يومين فقط توجه رئيس الوزراء التركي أوغلو إلى اليونان ليبشرهم بأن تركيا ستمدهم قريباً بما يحتاجون إليه من الغاز.

هكذا تفشل واشنطن في ضغوطها على روسيا، ويتضرر الأوروبيين.

الأمر بالقطع ليس مجرد رد روسي على عقوبات وضغوط واشنطن، بل أكبر من ذلك بكثير، وبوتين الداهية الملقب بـ«القوي»، يتابع عن كثب تراجع العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ويتابع تصدع حلف الناتو بسبب الخلافات بين واشنطن والأوروبيين، وصفقة مثل هذه ستربط الاقتصاد التركي بروسيا تماماً، مما يتوقع معه الكثيرون أن تتغير، آجلاً أو عاجلاً، توجهات السياسة الخارجية التركية، لتكسب موسكو حليفاً قوياً له وزنه الإقليمي الكبير في الشرق الأوسط.

 

Email